و اعلم أن هذه الأركان متفاوتات القوى، متضادّات الطبائع، مختلفات
الصّور، متباينات الأماكن، متعاديات متنافرات، لا تجتمع إلّا بتأليف المؤلّف لها.
و التأليف متى لا يكون على النّسبة لم يمتزج و لم يتّحد، و من أمثال ذلك أصوات
النّغم الموسيقيّة، و ذلك أن نغمة الزّير رقيق خفيف، و نغمة البمّ غليظ ثقيل، و
الرقيق ضدّ الغليظ و الخفيف ضدّ الثقيل، و هما متباينان متنافران لا يجتمعان و لا
يلتقيان إلّا بمركّب و مؤلف يؤلّفهما.
و متى لا يكون التأليف على النّسبة لا يمتزجان و لا يتّحدان و لا
يستلذّهما السّمع، فمتى ألّفا على النّسبة ائتلفا و صارا كنغمة واحدة، لا يميّز
السمع بينهما، و تستلذّهما الطبيعة، و تسرّ بهما النفوس، و هكذا أيضا الكلام
الموزون إذا كان على النّسبة، يكون في السّمع ألذّ من النثر الذي ليس بموزون، لما
في الموزون من النّسب.
و من أمثال ذلك عروض الطويل، فإنه ثمانية و أربعون حرفا: ثمانية و
عشرون حرفا متحركة، و عشرون حرفا ساكنة؛ فنسبة سواكنه إلى متحرّكاته كنسبة خمسة
أسباع، و هكذا نسبة نصف البيت، و هو أربعة عشر حرفا متحرّكة، و عشرة أحرف ساكنة؛ و
هكذا نسبة الرّبع سبعة أحرف متحركة، و خمسة أحرف سواكن. و أيضا فهو مؤلّف من اثني
عشر سببا، و الأسباب اثنا عشر حرفا متحركة، و اثنا عشر ساكنة، و ثمانية أوتاد:
ثمانية أحرف منها سواكن، و ستة عشر حرفا متحركة.
و من أمثال ذلك أيضا حروف الكتابة، فإنها مختلفة الأشكال، متباينة
الصور، و إذا جعل تقديرها و وضع بعضها من بعض على النسبة، كان الخطّ جيدا، و إن
كان على غير النّسبة كان الخط رديئا. و قد بيّنّا نسبة الحروف بعضها من بعض كيف
ينبغي أن تكون في رسالة أخرى.
و من أمثال ذلك أيضا أصباغ المصوّرين، فإنها مختلفة الألوان، متضادّة