الكبير صغيرا و الصغير كبيرا، و القريب
بعيدا و البعيد قريبا، و المتحرّك ساكنا و الساكن متحركا، و المستوي معوجّا و
المعوجّ مستويا.
و قال آخر: ان جوهر النفس لما كان مجانسا و مشاكلا للأعداد
التأليفيّة، و كانت نغمات ألحان الموسيقار موزونة، و أزمان حركات نقراتها و سكونات
ما بينها متناسبة، استلذّت بها الطباع، و فرحت بها الأرواح، و سرّت بها النفوس،
لما بينها من المشاكلة و التناسب و المجانسة، و هكذا حكمها في استحسان الوجوه، و
زينة الطبيعيّات، لأن محاسن الموجودات الطبيعيّة هي من أجل تناسب صنعتها و حسن
تأليف أجزائها.
و قال آخر: انما تشخص أبصار الناظرين إلى الوجوه الحسان، لأنها أثر
من عالم النفس، و لأن عامّة المرئيّات في هذا العالم غير حسان، لما يعرض لها من
الآفات المشينة[1] المشوّهة،
إما في أصل التركيب أو بعده، و بيان ذلك أن الصّغار من المواليد يكونون ألطف بنية
و أظرف شكلا و صورة لقرب عهدها من فراغ الصّانع منها، و هكذا حكم ما يرى من حسن
الثياب و رونقها في مبدإ كونها قبل الآفات العارضة لها من الهوامّ[2] و البلى و الفساد.
و قال آخر: انما تشخص أبصار النفوس الجزئيّة نحو المحاسن اشتياقا
إليها، لما بينها من المجانسة، لأن محاسن هذا العالم من آثار النفس الكلّيّة
الفلكية.
و قال آخر: إن وزن نقرات وتر الموسيقار، و تناسب ما بينها، و لذيذ
نغماتها تنبىء النفوس الجزئيّة بأن لحركات الأفلاك و الكواكب نغمات متناسبة
مؤتلفة لذيذة.
و قال آخر: إذا تصوّرت رسوم المحسوسات الحسان في الأنفس الجزئية،
صارت هذه مشاكلة و مناسبة للنّفس الكلّية، و مشتاقة نحوها، و متمنّية للّحوق بها،
فإذا فارقت الهيكل الجسدانيّ ارتقت إلى ملكوت السماء و لحقت
[1] -المشينة: لم تذكر المعاجم من هذا الفعل الا
الثلاثي المجرد، فصوابه الشائنة.