مثل الثقيل الأول و الثاني؛ و ما كان في
المديح من معاني الشجاعة و الإقدام و النشاط و الحركة أن يكسوها من الالحان مثل
الماخوريّ و الخفيف و ما يشاكلها.
و من حذق الموسيقار أيضا أن يستعمل الألحان المشاكلة للأزمان، في الأحوال
المشاكلة بعضها لبعض، و هو أن يبتدئ في مجالس الدعوات و الولائم و الشّرب بالألحان
التي تقوّم الأخلاق و الجود و الكرم و السخاء، مثل ثقيل الأول و ما شاكلها، ثم
يتبعها بالألحان المفرّحة المطربة، مثل الهزج و الرّمل، و عند الرّقص و الدّستبند[1] الماخوريّ و ما شاكله، و في آخر
المجلس ان خاف من السّكارى الشّغب و العربدة و الخصومة أن يستعمل الألحان المليّنة
المنوّمة الحزينة.
فصل في نوادر الفلاسفة في الموسيقى
يقال انه اجتمعت جماعة من الحكماء و الفلاسفة في دعوة ملك من الملوك،
فأمر أن يكتب كلّ ما يتكلّمون به من الحكمة، فلما غنّى الموسيقار لحنا مطربا، قال
أحد الحكماء: ان للغناء فضيلة يتعذّر على المنطق إظهارها، و لم يقدر على إخراجها
بالعبارة، فأخرجها النّفس لحنا موزونا، فلما سمعتها الطبيعة استلذّتها و فرحت و
سرّت بها، فاسمعوا من النفس حديثها و مناجاتها، و دعوا الطبيعة و التأمل لزينتها
لا تغرنكم. و قال آخر: احذروا عند استماع الموسيقى أن تثور بكم شهوات النفس
البهيميّة نحو زينة الطبيعة، فتميل بكم عن سنن[2]
الهدى، و تصدّكم عن مناجاة النفس العليا. و قال آخر للموسيقار:
حرّك النفس نحو قواها الشريفة من الحلم و الجود و الشجاعة و العدل و
الكرم
[1] -الدستبند: لعبة للمجوس يدورون و قد امسك بعضهم يد
بعض كالرقص.