أشكال الفلك. و على هذا المثال و القياس
يعمل الصنّاع الحذّاق مصنوعاتهم، من الأشكال و التماثيل و الصور، مناسبات بعضها
لبعض في التركيب و التأليف و الهندام، كلّ ذلك اقتداء بصنعة الباري، تعالت قدرته،
و تشبّه بحكمته، كما قيل في حدّ الفلسفة انها هي التشبّه بالإله بحسب الطاقة
الإنسانية.
فصل في حقيقة نغمات الأفلاك
اعلم يا أخي، أيدك اللّه و إيانا بروح منه، أن في اعتبار هذه
المقالات التي تقدّم ذكرها في هذه الفصول الدالة على ان أحكم المصنوعات، و أتقن
المركّبات، و أحسن التأليفات هو ما كان تركيب بنيته على النسبة الأفضل، و تأليف
أجزائه على مثل ذلك دليل و قياس لكل عاقل متفكر معتبر، على أن تركيب الأفلاك، و
كواكبها و مقادير أجرامها و مقادير الأركان و مولّداتها موضوعة بعضها على بعض على
النسبة الأفضل. و هكذا أبعاد هذه الأفلاك و كواكبها و حركاتها متناسبات على النسبة
الأفضل. و ان لتلك الحركات المتناسبة نغمات متناسبات مطربات متوازيات لذيذات، كما
بيّنّا في حركات أوتار العيدان و نغماتها. فإذا تفكّر ذو اللّبّ و اعتبر تبيّن له
عند ذلك و علم بأن لها صانعا حكيما صنعها، و مركّبا حاذقا ركّبها، و مؤلفا لطيفا
ألّفها؛ و تيقّن بذلك، فتزول الشّبهة المموّهة التي دخلت على قلوب كثير من
المرتابين، و ترتفع الشكوك، و يتّضح الحق؛ و يعلم أيضا و يتبيّن له أن في حركات
تلك الأشخاص و نغمات تلك الحركات لذّة و سرورا لأهلها، مثل ما في نغمات أوتار
العيدان لذة و سرور لأهلها في هذا العالم. فعند ذلك تشوّقت نفسه إلى الصعود إلى
هناك، و الاستماع لها و النّظر إليها، كما صعدت نفس هرمس[1]
[1] -هرمس: رجل، قيل كان أعلم أهل الدنيا في علم
النجوم، و قيل هو إدريس، أي اخنوخ، و هو أول من رسم العلوم.