اعلم يا أخي، أيّدك اللّه و إيانا بروح منه،
بأن صور حروف الكتابات كثيرة الفنون مختلفة الأنواع، كما تقدّم ذكرها، و هي بحسب
موضوعات الحكماء من الكتّاب، و اختياراتهم لها، و تواطئهم عليها، يطول ذكر علّة
ذلك و شرحه. و لكن نذكر قولا مجملا مختصرا في ثلاث كلمات بحسب ما توجبه قوانين
الهندسة و القياسات الفلسفيّة، كما أوصى المحرّر الحاذق المهندس فقال: ينبغي أن
تكون صور الحروف كلّها لأي أمة كانت، في أيّ لغة كانت، و بأيّ أقلام خطّت، إلى
التقويس و الانحناء ما هو الألف التي في كتابة العربية، و ان يكون غلظ الحروف إلى
الانخراط ما هو؛ و أن يكون عند التركيب الزّوايا كلّها حادّة و إلى التدوير ما هو.
فهذا ما قاله أهل الصّناعة في تقدير هذه الحروف و مناسباتها مفردة مفردة. فأما عند
التركيب و التأليف فربما تختلف و تتغيّر لعلل يطول شرحها، و لكن يجب على المحرّر
عند تعليمه للخطّ التوقيف[1] عليها.
فقد تبيّن إذا بما ذكرنا أن أحكم المصنوعات، و أتقن المركّبات، و
أحسن المؤلّفات ما كان تركيب بنيته و تأليف أجزائه على النّسبة الأفضل.
و النّسب الفاضلة هي المثل، و المثل و النّصف، و المثل و الثّلث، و
المثل و الرّبع، و المثل و الثّمن، كما قد بيّنّا قبل. و من أمثال ذلك أيضا صورة
الإنسان و بنية هيكله، و ذلك ان البارئ، جلّ جلاله، جعل طول قامته مناسبا لعرض
جثته، و عرض جثته مناسبا لعنق تجويفه، و طول ذراعيه مناسبا لطول ساقيه، و طول
عضديه مناسبا لطول فخذيه، و طول رقبته مناسبا لطول عمود ظهره، و كبر رأسه مناسبا
لكبر جثته، و استدارة وجهه مناسبة لسعة صدره، و شكل عينيه مناسبا لشكل فمه، و طول
أنفه مناسبا لعرض جبينه، و قدر أذنيه مناسبا لمقدار خدّيه،