و هذه الثمانية هي أيضا أحد أسباب الكائنات
الفاسدات التي دون فلك القمر.
و إذا تأمّلت أيضا و اعتبرت وجدت الثمانية و العشرين حرفا التي في
اللغة العربية المماثلة لثمان و عشرين منزلة من منازل القمر، هجاؤها ثمانية أحرف،
و هي (ا ل ف ي م ن د و)؛ و مفاعيل أشعار العرب أيضا ثمانية أجزاء، و هي أجزاء
العروض؛ و أجناس ألحان غنائهم أيضا ثمانية، كما سنبيّن في فصل آخر. و قد قيل إن
للجنان ثماني مراتب، و حملة العرش ثمانية، و النّيّران سبعة أبواب، و قد بينّا في
رسالة البعث و القيامة حقيقتها. و على هذا القياس يا أخي، إذا تأملت الموجودات، و
تصفّحت أحوال الكائنات، وجدت أشياء كثيرة ثنائيّات و ثلاثيّات و رباعيات و
خماسيّات و سداسيات و سباعيّات و ثمانيات و متسعات و معشّرات، و ما زاد على ذلك
بالغا ما بلغ. و إنما أردنا بذكر المثمّنات ان ننبهّك من نوم الغفلة و رقدة
الجهالة، و لتعلم أن المسبّعة الذين قد شغفوا بذكر المسبّعات و تفضيلها على غيرها
إنما كان نظرهم جزئيّا و كلامهم غير كلّيّ؛ و كذلك حكم الثّنويّة في المثنويّات، و
النّصارى في تثليثهم، و الطبيعيين في مربّعاتهم، و الحزميّة في مخمّساتهم، و الهند
في مسدّساتهم، و الكيّاليّة في متسعاتهم، و ليس هذا مذهب إخواننا الكرام، أيّدهم
اللّه و إيانا بروح منه، حيث كانوا في البلاد، بل نظرهم كليّ و بحثهم عموميّ و
علمهم جامع و معرفتهم شاملة.
و لنعد الآن إلى ما كنّا فيه فنقول: قد تبيّن إذا بما ذكرنا طرف من
صفة العود و كمية أوتاره، و تناسب ما بين غلاظها و دقاقها، و كميّة دساتينها، و
كيفيّة شدّها، و ما بينها من التناسب، و كميّة نغمات نقرات أوتاره مطلقا و مزموما،
و ما بينها من التناسب. فإنّ أحكم المصنوعات و أتقن المركّبات و أحسن المؤلّفات ما
كان تأليف أجزائه و هيئة تركيبه على النسبة الأفضل، و من أجل هذا صارت الألحان
تستلذّها أكثر المسامع، و تستحسن صفتها