اعلم يا أخي، أيّدك اللّه و إيانا بروح منه، بأن أمزجة الأبدان كثيرة
الفنون، و طباع الحيوانات كثيرة الأنواع، و لكلّ مزاج و كلّ طبيعة نغمة تشاكلها، و
لحن يلائمها لا يحصي عددها إلّا اللّه عزّ و جلّ. و الدليل على حقيقة ما قلنا، و
صحة ما وصفنا، أنك تجد إذا تأمّلت لكلّ أمة من الناس ألحانا و نغمات يستلذونها و
يفرحون بها، لا يستلذّها غيرهم و لا يفرح بها سواهم، مثل غناء الدّيلم و الأتراك و
الأعراب و الأرمن و الزّنج و الفرس و الروم و غيرهم من الأمم المختلفة الألسن و
الطّباع و الأخلاق و العادات. و هكذا ايضا انك تجد في الأمّة الواحدة من هذه
أقواما يستلذّون ألحانا و نغمات، و تفرح نفوسهم بها، و لا يسرّ بها من سواهم.
و هكذا أيضا ربما تجد إنسانا واحدا يستلذّ وقتا ما لحنا و يسرّه، و
وقتا آخر لا يستلذّه بل ربما يكرهه و يتألم منه. و هكذا تجد حكمهم في مأكولاتهم و
مشروباتهم و في مشموماتهم و ملبوساتهم و سائر الملاذّ و الزينة و المحاسن، كلّ ذلك
بحسب تغيّرات أمزجة الأخلاط، و اختلاف الطبائع، و تركيب الأبدان، و الأماكن و
الأزمان، كما بيّنّا طرفا من ذلك في رسالة الأخلاق.
فصل في أصول الألحان و قوانينها
اعلم يا أخي، أيّدك اللّه و إيانا بروح منه، ان لكل أمة من الناس
ألحانا من الغناء و أصواتا و نغمات لا يشبه بعضها بعضا و لا يحصي عددها كثرة إلّا
اللّه تعالى الذي خلقهم و صوّرهم و طبعهم على اختلاف أخلاقهم و ألسنتهم و ألوانهم،
و لكن نريد أن نذكر أصول الغناء و قوانين الألحان التي منها يتركب سائرها، و ذلك
ان الغناء مركّب من الالحان، و اللحن مركّب