النغمات و الاصوات ما يحرّك النفوس نحو
الاعمال الشاقة، و الصنائع المتعبة، و ينشّطها و يقوّي عزماتها على الافعال الصعبة
المتعبة للأبدان، التي تبذل فيها مهج النفوس و ذخائر الاموال، و هي الالحان
المشجعة التي تستعمل في الحروب، و عند القتال في الهيجاء، و لا سيما إذا غنّي معها
بأبيات موزونة في وصف الحروب و مديح الشجعان مثل قول القائل:
لو
كنت من مازن لم تستبح إبلي
بنو
اللقيطة من ذهل بن شيبانا
و مثل قول البسوس بنت منقذ:
لعمري
لو أصبحت في دار منقذ
لما
ضيم سعد و هو جار لأبياتي
و
لكنني أصبحت في دار غربة
متى
يعد فيها الذّئب يعد على شاتي
فيا
سعد لا تغرر بنفسك و ارتحل،
فإنك
في قوم عن الجار أموات
فان هذه الأبيات و اخواتها يقال إنها كانت سببا لإثارة أقوام إلى
الحرب و القتال بين قبيلتين من قبائل العرب سنين متواترة. و من الأبيات الموزونة
أيضا ما يثير الأحقاد الكامنة، و يحرّك النفوس الساكنة، و يهلب نيران الغضب مثل
قول القائل:
و
اذكروا مصرع الحسين و زيد
و
قتيلا بجانب المهراس
فإن هذه الأبيات و أخواتها أيضا أثارت أحقادا بين أقوام و حرّكت
نفوسهم، و التهبت فيها نيران الغضب، و حثّتهم على قتل أبناء الاعمام و الأقرباء و
العشائر، حتى قتلوهم بذنوب آبائهم و وزر أجدادهم، و لم يرحموا منهم أحدا. و من
الألحان و النغمات أيضا ما يسكّن سورة الغضب و يحلّ الأحقاد و يوقع الصّلح، و يكسب
الألفة و المحبة، فمن ذلك ما يحكى ان في بعض مجالس الشّراب اجتمع رجلان متغاضبان،
و كان بينهما ضغن قديم و حقد كامن، فلما دار الشّراب بينهما ثار الحقد و التهبت
نيران الغضب،