بسم اللّه الرحمن الرحيم و إذ قد فرغنا من ذكر الصنائع العلمية
الرّوحانية التي هي أجناس العلوم، و من ذكر الصنائع العلمية الجسمانية التي هي
أجناس الصنائع، و بيّنّا ماهيّة كل واحدة منهما، و كمّية أنواعهما، و ما الأغراض
المطلوبة منهما في رسالتين لنا، فنريد أن نذكر في هذه الرسالة الملقّبة بالموسيقى
الصناعة المركبة من الجسمانية و الروحانية التي هي صناعة التأليف في معرفة النّسب،
و ليس غرضنا من هذه الرسالة تعليم الغناء و صنعة الملاهي، و ان كان لا بد من
ذكرها، بل غرضنا هو معرفة النّسب و كيفيّة التأليف اللذين بهما و بمعرفتهما يكون
الحذق في الصنائع كلّها.
اعلم يا أخي، أيّدك اللّه و إيانا بروح منه، بأن كل صناعة تعمل
باليدين، فإن الهيولى الموضوعة فيها انما هي أجسام طبيعية، و مصنوعاتها كلّها
أشكال جسمانية، إلّا الصناعة الموسيقية فإن الهيولى الموضوعة فيها، كلّها جواهر
روحانية، و هي نفوس المستمعين، و تأثيراتها فيها مظاهر كلّها روحانية أيضا.
و ذلك ان ألحان الموسيقى أصوات و نغمات، و لها في النفوس تأثيرات
كتأثيرات صناعات الصّنّاع في الهيوليّات الموضوعة في صناعتهم، فمن تلك