و الزمان و المكان و الحركة و الآثار
العلوية؛ و على المعادن و الحيوان و الإنسان و النفس و اللذة و الألم؛ و على
الأصوات و إدراك القوة السامعة لها .. فمن ذلك قولهم إن الحيوانات تحس باللذة و
الألم لأن أجسامها مركبة من الطبائع الأربع:
الحرارة و البرودة و الرطوبة و اليبوسة، و هي دائمة التغير بين زيادة
و نقص، فتارة تخرج المزاج من الاعتدال إلى الزيادة في إحدى الطبائع، و تارة إلى
النقص. و اللذة هي رجوع المزاج إلى الاعتدال بعد خروجه عنه. فكان من ذلك أن
الحيوان لا يحس باللذة إلا إذا تقدمها ألم؛ و تكون اللذة باعتدال الطبائع الأربع،
و الألم بغلبة إحداها على الأخرى، كما لو زادت طبيعة الحرارة في الجسم و نقصت
طبيعة البرودة؛ أو زادت طبيعة اليبوسة و نقصت طبيعة الرطوبة.
و قادهم بحثهم في المعادن و النبات و الحيوان إلى القول بتماسك هذه
المخلوقات، فلمسوا به مذهب النشوء و الارتقاء، قالوا إنّ المعادن متصل أولها
بالتراب و آخرها بالنبات. فخضراء الدمن ليست بشيء سوى غبار يتلبد على الأرض و الصخور
و الأحجار، ثم تصيبه الأمطار و أنداء الليل فيصبح بالغد كأنه نبت زرع و حشائش،
فإذا أصابه حرّ شمس نصف النهار جفّ. و النبات آخره متصل بالحيوان، فالنخل هو آخر
المرتبة النباتية مما يلي الحيوانية، و ذلك أنّ النخل نبات حيواني لأنه مباين في
بعض أحواله أحوال النبات، فإناثه غير ذكوره، و لقاحها من الفحولة كلقاح إناث
الحيوان. و إذا قطعت رءوس النخل جف و بطل نموه و مات، و هذا من شأن الحيوان لا من
شأن النبات.
و كذلك آخر مرتبة الحيوان متصل بأول مرتبة الإنسان كالقرد في
التقليد، و الفيل في الذكاء، و النحل في حسن التدبير.
قسم النفسانيات و العقليات
و كانوا في القسم الثالث من رسائلهم، على رأي الفيثاغوريين، و فيها
أفلاطوني و أرسطي، تبحث في ما بعد الطبيعة من النفسانيات و العقليات،