و حدث بذلك السبب الكائنات على أعدل مزاج و
اصحّ طبائع و أجود نظام، و نشأت و نمت و تمّت و كملت و بلغت إلى أقصى مدى غاياتها،
و تمام نهاياتها التي هي قاصدة نحوها، و تسمى تلك الأحوال و الأوصاف و ما يتكوّن
عنها سعادة و خيرات. و إذا اتفق أن يكون شكل الفلك و مواضع الكواكب على ضدّ ذلك،
كان أمر الكائنات بالضّدّ أيضا، و تناقصت من بلوغ غاياتها و تمام نهاياتها، و
سمّيت تلك مناحس الفلك و سبب الشّرور، و لا يكون ذلك بالقصد الأول، و لكن بأسباب
عارضة، كما بيّنا في رسالة الآراء و المذاهب في باب علل الشرور و أسبابها، فاعرفها
من هناك، إن شاء اللّه وحده.
فصل في علة اختلاف تأثيرات الكواكب في الكائنات الفاسدات التي دون
فلك القمر
اعلم يا أخي، أيّدك اللّه و إيانا بروح منه، أن إشراق الكواكب على
الهواء و مطارح شعاعاتها على مركز الأرض على سنن واحد، و لكن قبول القابلات لها
ليس بواحد، بل مختلف بحسب اختلاف جواهرها.
مثال ذلك أن الشّمس، إذا أشرقت من الأفق أضاءت الهواء من نورها، و
سخن وجه الأرض من انعكاس شعاعاتها، كما بيّنا في رسالة الآثار العلوية، و جفّ
الطّين و ذاب الثلج و لان الشّمع، و نضج الثمر، و نتن اللحم، و ابيضّت ثياب
القصّارين، و اسودّت وجوههم، و انعكس الشّعاع من السطوح الصقيلة الوجوه كوجه
المرايا، و سرى الضّوء في الأجسام الشّفّافة كالزّجاج و البلّور و المياه الصافية،
و قويت أبصار أكثر الحيوانات، و ضعفت أبصار بعضها كالبوم و الخفافيش، و بنات
وردان[1]، و ما
شاكلها من الحيوانات،
[1] -بنات وردان: فصيلة من الحشرات تكثر في الأماكن
الرطبة، و تعرف عند العامة بالصراصير.