اعلم أيها الأخ البارّ الرحيم، أيّدك اللّه و ايانا بروح منه، أن
العاقل الفهم إذا نظر في علم النجوم، و فكّر في سعة هذه الأفلاك، و سرعة دورانها،
و عظم هذه الكواكب و عجيب حركاتها، و أقسام هذه البروج و غرائب أوصافها، كما وصفنا
قبل، تشوّقت نفسه إلى الصّعود إلى الفلك و النظر إلى ما هناك معاينة، و لكن لا
يمكن الصّعود إلى ما هناك بهذا الجسد الثقيل الكثيف، بل النّفس إذا فارقت هذه
الجثّة و لم يعقها شيء من سوء أفعالها، أو فساد آرائها، و تراكم جهالاتها، أو
رداءة أخلاقها، فهي هناك في أقلّ من طرفة عين بلا زمان، لأن كونها حيث همّتها و
محبوبها، كما تكون نفس العاشق حيث معشوقه. فإذا كان عشقها هو الكون مع هذا الجسد،
و معشوقها هذه اللذات المحسوسة المحرقة الجرمانيّة، و شهواتها هذه الزينة
الجسمانيّة، فهي لا تبرح من هاهنا و لا تشتاق الصّعود إلى عالم الأفلاك، و لا تفتح
لها أبواب السّماوات، و لا تدخل الجنّة مع زمر الملائكة، بل تبقى تحت فلك القمر
سائحة في قعر هذه الأجسام المستحيلة المتضادّة، تارة من الكون إلى الفساد، و تارة
من الفساد إلى الكون: «كلما نضجت جلودهم بدّلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب.»
لابثين فيها أحقابا ما دامت السّماوات و الأرض لا يذوقون فيها برد عالم الأرواح
الذي هو الرّوح و الرّيحان، و لا يجدون لذّة شراب الجنان المذكور في القرآن: «و
نادى أصحاب النار أصحاب الجنّة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم اللّه،
قالوا: ان اللّه حرّمهما على الكافرين،» الظالمين لأنفسهم، الكافرين لحقائق
الأشياء. و يروى عن رسول اللّه، صلى اللّه عليه و آله و سلم، أنه قال: الجنّة في
السماء، و النّار في الأرض.
و يحكى في الحكمة القديمة أنه من قدر على خلع جسده و رفض