القوى الحسّاسة في إدراك المعلومات عند
نظرها إلى ذاتها، و وجدت صور المعلومات كلّها في جوهرها، فعند ذلك استغنت عن
الجسد، و زهدت في السكون معه، و انتبهت من نوم الغفلة، و استيقظت من رقدة الجهالة،
و نهضت بقوّتها و استقلّت بذاتها، و فارقت الاجسام و خرجت من بحر الهيولى و نجت من
أسر الطبيعة، و أعتقت من عبوديّة الشهوات الجسمانية، و تخلّصت من حرقة الاشتياق
إلى اللّذات الجرمانية[1]، و شاهدت
عالم الأرواح، و ارتقت إلى هناك حيث قال: «اليه يصعد الكلم الطيّب، و العمل الصالح
يرفعه» أراد به النفس الزكيّة، و جوزيت بأحسن الجزاء، و هذا هو الغرض الأقصى من
النظر في العلوم الرياضية التي كانوا يخرّجون بها أولاد الحكماء و تلامذة القدماء.
هكذا مذهب إخواننا الكرام، وفّقك اللّه و إيانا سبيل الرشاد إنه رءوف بالعباد.
فصل في خواص الأشكال الهندسية
اعلم يا أخي، أيّدك اللّه و إيانا بروح منه، بأن للأشكال الهندسيّة
خواصّ، و لمجموعها خواصّ أيضا، و قد بيّنّا في رسالة الأرثماطيقي طرفا من خواصّ
العدد، فنريد أن نذكر في هذا الفصل طرفا من خواصّ الأشكال الهندسية، ليكون تنبيها
للناظرين في هذين العلمين على الغرض منهما، و يكون أيضا إرشادا لطالبي خواصّ
الأشياء و كيفيّة المسلك فيها.
و نبدأ أولا بذكر المثلّثات، إذ كانت هي أول الأشكال الهندسيّة، كما
بيّنّا في رسالة جومطريا، فنقول:
[1] -الجرمانية: الجسمانية نسبة الى الجرمان، و هو
الجسم كالحجم.