و يخبرون عن أجناسها و انواعها و خواصّها، و
ما يعرض فيها من المعاني إذا أضيف بعضها إلى بعض، فيقولون: الخطّ هو مقدار ذو بعد
واحد، و السطح هو مقدار ذو بعدين، و الجسم هو مقدار ذو ثلاثة أبعاد، و الخطّ
المستقيم هو أقصر خطّ وصل بين النّقطتين، و النقطة رأس الخطّ، و الخط المقوّس هو
الخط الذي لا يمكن أن يفرض عليه ثلاثة فقط على سمت واحد، و الزوايا ما بين خطّين
على غير استقامة، و الشكل ما أحاط به خطّ واحد أو خطوط، و الدائرة شكل يحيط به خطّ
واحد يقال له المحيط، و في داخله نقطة كل الخطوط المستقيمة المخرجة منها إليه
متساوية، و المثلّث شكل يحيط به ثلاثة خطوط و ثلاث زوايا، و المربّع شكل يحيط به
أربعة خطوط و له أربع زوايا قائمات، و على هذا القياس و المثال سائر ما يتكلمون به
في أشكال الهندسة من غير اشارة إلى جسم من الأجسام الطبيعية.
فصل في حقيقة الابعاد في الهندسة العقلية
و اعلم بأن كثيرا من المهندسين و الناظرين في العلوم يظنون أن لهذه
الأبعاد الثلاثة، أعني الطول و العرض و العمق، وجودا بذاتها و قوامها، و لا يدرون
أن ذلك الوجود إنما هو في جوهر الجسم أو في جوهر النفس، و هي لها كالهيولى و هي
فيها كالصّورة إذا انتزعتها القوّة المفكّرة من المحسوسات.
و لو علموا أن الغرض الأقصى من النظر في العلوم الرياضية إنما هو أن
ترتاض أنفس المتعلمين بأن يأخذوا صور المحسوسات من طريق القوى الحسّاسة و تصوّرها
في ذاتها بالقوّة المفكّرة، حتى إذا غابت المحسوسات عن مشاهدة الحواسّ لها، بقيت
تلك الرسوم التي أدّتها القوى الحسّاسة إلى القوّة المتخيّلة، و المتخيّلة إلى
القوّة المفكّرة، و المفكّرة أدّت إلى القوّة الحافظة، مصوّرة في جوهر النفس،
فاستغنت عند ذلك النفس عن استخدامها