مَا قَدْ نَحَلَ مِنْ جِسْمِهِ فَبَكَى فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ يَا يَحْيَى أَ تَبْكِي عَلَى مَا قَدْ نَحَلَ مِنْ جِسْمِكَ وَ عِزَّتِي وَ جَلَالِي لَوِ اطَّلَعْتَ إِلَى النَّارِ اطِّلَاعَةً لَتَدَرَّعْتَ مِدْرَعَةً مِنْ حَدِيدٍ فَضْلًا عَنِ الْمُسُوحِ[1] فَبَكَى حَتَّى أَكَلَتِ الدُّمُوعُ لَحْمَ خَدَّيْهِ ثُمَّ بَدَتْ لِلنَّاظِرِينَ أَضْرَاسُهُ فَبَلَغَ ذَلِكَ أُمَّهُ فَدَخَلَتْ عَلَيْهِ وَ أَقْبَلَ زَكَرِيَّا فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ الْأَحْبَارُ وَ الرُّهْبَانُ وَ يُخْبِرُونَهُ بِذَهَابِ لَحْمِ خَدَّيْهِ فَقَالَ مَا شَعَرْتُ بِذَلِكَ فَقَالَ زَكَرِيَّا يَا بُنَيَّ مَا دَعَاكَ إِلَى هَذَا وَ إِنَّمَا سَأَلْتُ رَبِّي أَنْ يَهَبَكَ لِي لِتَقَرَّ عَيْنِي قَالَ أَنْتَ أَمَرْتَنِي بِذَلِكَ يَا أَبَتِ فَقَالَ وَ مَتَى ذَلِكَ قَالَ أَ لَسْتَ الْقَائِلَ أَنَّ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَ النَّارِ عَقَبَةً لَا يَجُوزُهَا إِلَّا الْبَكَّاءُونَ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ بَلَى فَجِدَّ وَ اجْتَهِدْ فَشَأْنُكَ غَيْرُ شَأْنِي فَقَامَ يَحْيَى فَنَفَضَ مِدْرَعَتَهُ وَ أَخَذَتْهُ أُمُّهُ فَقَالَتْ أَ تَأْذَنُ لِي يَا بُنَيَّ أَنْ أَتَّخِذَ لَكَ قِطْعَتَيْنِ مِنْ لِبْدٍ يُوَارِي أَضْرَاسَكَ وَ يُنَشِّفَانِ دُمُوعَكَ فَقَالَ لَهَا شَأْنَكِ فَاتَّخَذَتْ لَهُ قِطْعَتَيْ لِبْدٍ تُوَارِيَانِ أَضْرَاسَهُ وَ تُنَشِّفَانِ دُمُوعَهُ حَتَّى إِذَا ابْتَلَّتَا مِنْ دُمُوعِ عَيْنَيْهِ فَحَسَرَ عَنْ ذِرَاعَيْهِ ثُمَّ أَخَذَهُمَا فَعَصَرُهَما فَتَحَدَّرَ الدُّمُوعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ فَنَظَرَ زَكَرِيَّا إِلَى ابْنِهِ وَ إِلَى دُمُوعِ عَيْنَيْهِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنَّ هَذَا ابْنِي وَ هَذِهِ دُمُوعُ عَيْنَيْهِ وَ أَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ وَ كَانَ زَكَرِيَّا ع إِذَا أَرَادَ أَنْ يَعِظَ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَلْتَفِتُ يَمِيناً وَ شِمَالًا فَإِنْ رَأَى يَحْيَى لَمْ يَذْكُرْ جَنَّةً وَ لَا نَاراً فَجَلَسَ زَكَرِيَّا ع ذَاتَ يَوْمٍ يَعِظُ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَأَقْبَلَ يَحْيَى وَ قَدْ لَفَّ رَأْسَهُ بِعَبَائِهِ وَ قَعَدَ فِي غُمَارِ النَّاسِ لِئَلَّا يَعْرِفَهُ زَكَرِيَّا فَالْتَفَتَ زَكَرِيَّا ع يَمِيناً وَ شِمَالًا فَلَمْ يَرَ يَحْيَى فَأَنْشَأَ يَقُولُ حَدَّثَنِي حَبِيبِي جَبْرَئِيلُ ع عَنِ اللَّهِ تَعَالَى إِنَّ فِي جَهَنَّمَ جَبَلًا يُقَالُ لَهُ السَّكْرَانُ فِي أَصْلِ ذَلِكَ الْجَبَلِ وَادٍ يُقَالُ لَهُ الْغَضْبَانُ لِغَضَبِ الرَّحْمَنِ فِي ذَلِكَ الْوَادِي جُبٌّ قَامَتُهُ مِائَةُ عَامٍ فِي ذَلِكَ الْجُبِّ تَوَابِيتُ مِنْ نَارٍ فِي تِلْكَ التَّوَابِيتِ صَنَادِيقُ مِنْ نَارٍ وَ سَلَاسِلُ مِنْ نَارٍ وَ أَغْلَالٌ مِنْ نَارٍ فَرَفَعَ يَحْيَى ع رَأْسَهُ فَقَالَ وَا غَفْلَتَاهْ عَنِ السَّكْرَانِ مِنْ غَضَبِ الرَّحْمَنِ ثُمَّ أَقْبَلَ هَائِماً عَلَى وَجْهِهِ[2] فَقَامَ زَكَرِيَّا ع مِنْ مَجْلِسِهِ وَ دَخَلَ عَلَى أُمِّ يَحْيَى فَقَالَ لَهَا يَا أُمَّ يَحْيَى قُومِي فَاطْلُبِي يَحْيَى فَإِنِّي قَدْ تَخَوَّفْتُ أَنْ لَا نَرَاهُ إِلَّا وَ قَدْ ذَاقَ الْمَوْتَ فَقَامَتْ فَخَرَجَتْ فَمَرَّتْ بِفِتْيَةٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَقَالُوا لَهَا يَا أُمَّ يَحْيَى إِلَى أَيْنَ تُرِيدِينَ قَالَتْ أُرِيدُ أَنْ أَطْلُبَ ابْنِي يَحْيَى ذُكِرَتِ النَّارُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَهَامَ
[1] بعض النسخ[ المنسوج]
[2] هام على وجهه من باب باع: خرج و لا يدرى اين يتوجه.