نام کتاب : مجموعة ورّام (تنبيه الخواطر و نزهة النواظر) نویسنده : ورّام بن أبي فراس جلد : 1 صفحه : 291
نفخة الصور
قد عرفت فيما سبق شدة
أحوال الميت في سكرات الموت ثم مقاساته لظلمة القبر و ديدانه ثم لمنكر و نكير و
سؤالهما ثم العذاب و أعظم من ذلك كله الأخطار التي بين يديه من نفخ الصور و البعث
يوم النشور و العرض على الجبار و السؤال عن القليل و الكثير و نصب الميزان ثم
مجاوزة الصراط مع دقته و حدته ثم انتظار النداء عند فصل القضاء فهذه أهوال و أحوال
لا بد لك من معرفتها ثم الإيمان بها على سبيل الجزم و التصديق ثم تطويل الفكر فيها
لتنبعث من قلبك دواعي الاستعداد لها.
و لذلك قوله تعالى أَ وَ لَمْ
يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ و قال تعالى أَ يَحْسَبُ
الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً أَ لَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى[1] ففي خلق الآدمي
مع كثرة عجائبه و اختلاف تركيب أعضائه عجائب يزيد على العجائب في بعثه و إعادته
فكيف ينكر ذلك من قدرة الله و حكمته من يشاهد ذلك في صنعه و قدرته فإن كان في
إيمانك ضعف فقو الإيمان بالنظر في النشأة الأولى فإن الثانية مثلها و أسهل فإن كنت
قوي الإيمان بها فأشعر قلبك المخاوف و الأخطار و أكثر فيها التفكر و الاعتبار
ليستلب عن قلبك الراحة و القرار فتشتغل بالتشمير للعرض على الجبار و تفكر أولا
فيما يقرع سمع سكان القبور من شدة نفخ الصور فإنها صيحة واحدة ينفرج بها القبور عن
رءوس الموتى يثورون دفعة واحدة فتوهم في نفسك و قد وثبت متغيرا وجهك متغيرا بدنك
من قرنك إلى قدمك من تراب قبرك مبهوتا من شدة الصعقة شاخص العينين نحو النداء و قد
ثار الخلق ثورة واحدة من القبور التي طال فيها بلاؤهم و قد أزعجهم الفزع و الرعب
مضافا إلى ما كان عليهم من الغموم و الهموم و شدة الانتظار كما قال تعالى وَ نُفِخَ
فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ