وَ قَالَ الْحَسَنُ مَنْ عَرَفَ رَبَّهُ أَحَبَّهُ وَ مَنْ عَرَفَ الدُّنْيَا زَهِدَ فِيهَا وَ الْمُؤْمِنُ لَا يَلْهُو حَتَّى يَغْفُلَ فَإِذَا تَفَكَّرَ حَزِنَ
وَ يُرْوَى أَنَّ عِيسَى مَرَّ بِثَلَاثَةِ نَفَرٍ قَدْ نَحِلَتْ أَبْدَانُهُمْ وَ تَغَيَّرَتْ أَلْوَانُهُمْ فَقَالَ لَهُمْ مَا الَّذِي بَلَغَ بِكُمْ مَا أَرَى فَقَالُوا الْخَوْفُ مِنَ النَّارِ فَقَالَ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُؤْمِنَ الْخَائِفَ ثُمَّ جَاوَزَهُمْ إِلَى ثَلَاثَةٍ آخَرِينَ فَإِذَا هُمْ أَشَدُّ نُحُولًا وَ تَغَيُّراً فَقَالَ مَا الَّذِي بَلَغَ بِكُمْ مَا أَرَى قَالُوا الشَّوْقُ إِلَى الْجَنَّةِ فَقَالَ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُعْطِيَكُمْ مَا تَرْجُونَ ثُمَّ جَاوَزَهُمْ إِلَى ثَلَاثَةٍ آخَرِينَ فَإِذَا هُمْ أَشَدُّ نُحُولًا وَ تَغَيُّراً كَانَ عَلَى وُجُوهِهِمُ الْمَرَايَا مِنَ النُّورِ فَقَالَ مَا الَّذِي بَلَغَ بِكُمْ مَا أَرَى فَقَالُوا نُحِبُّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ فَقَالَ أَنْتُمُ الْمُقَرَّبُونَ أَنْتُمُ الْمُقَرَّبُونَ
اعلم وفقك الله أن المحبة لا تخلص من المحب إلا بعد العلم بحقيقة حال المحبوب و القديم تعالى بصنعه يستدل عليه
كَمَا قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع فِي بَعْضِ خُطَبِهِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الدَّالِّ عَلَى وُجُودِهِ بِخَلْقِهِ وَ بِمُحْدَثِ خَلْقِهِ عَلَى أَزَلِيَّتِهِ وَ بِاشْتِبَاهِهِمْ عَلَى أَنْ لَا شَبِيهَ لَهُ لَا تَسْتَلِمُهُ الْمَشَاعِرُ وَ لَا تَحْجُبُهُ السَّوَاتِرُ لِافْتِرَاقِ الصَّانِعِ مِنَ الْمَصْنُوعِ وَ الْحَادِّ مِنَ الْمَحْدُودِ وَ الرَّبِّ مِنَ الْمَرْبُوبِ الْأَحَدِ لَا بِتَأْوِيلِ عَدَدٍ وَ الْخَالِقِ لَا بِمَعْنَى حَرَكَةٍ وَ نَصَبٍ وَ السَّمِيعِ لَا بِأَدَاةٍ وَ الْبَصِيرِ لَا بِتَفْرِيقِ آلَةٍ وَ الشَّاهِدِ لَا بِمُمَاسَّةٍ وَ الْبَائِنِ لَا بِتَرَاخِي مَسَافَةٍ الظَّاهِرِ لَا بِرُؤْيَةٍ وَ الْبَاطِنِ لَا بِلَطَافَةٍ بَانَ مِنَ الْأَشْيَاءِ بِالْقَهْرِ لَهَا وَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا وَ بَانَتِ الْأَشْيَاءُ مِنْهُ بِالْخُشُوعِ لَهُ وَ الرُّجُوعِ إِلَيْهِ مَنْ وَصَفَهُ فَقَدْ حَدَّهُ وَ مَنْ حَدَّهُ فَقَدْ عَدَّهُ وَ مَنْ عَدَّهُ فَقَدْ أَبْطَلَ أَزَلِيَّتَهُ وَ مَنْ قَالَ كَيْفَ فَقَدِ اسْتَوْصَفَهُ وَ مَنْ قَالَ أَيْنَ فَقَدْ حَيَّزَهُ عَالِمٌ إِذْ لَا مَعْلُومَ وَ رَبٌّ إِذْ لَا مَرْبُوبَ وَ قَادِرٌ إِذْ لَا مَقْدُورَ
. وَ قِيلَ لِهِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ بِمَ عَرَفْتَ رَبَّكَ قَالَ بِنَفْسِي لِأَنَّهَا أَقْرَبُ الْأَشْيَاءِ إِلَيَّ وَ ذَاكَ أَنِّي أَجِدُهَا أَبْعَاضاً مُجْتَمِعَةً وَ أَجْزَاءً مُؤْتَلِفَةً ظَاهِرَةَ التَّرْكِيبِ مُتَبَايِنَةَ الصَّنْعَةِ مَبْنِيَّةً عَلَى ضُرُوبٍ مِنَ التَّخْطِيطِ وَ التَّصْوِيرِ زَائِدَةً مِنْ بَعْدِ نُقْصَانٍ وَ نَاقِصَةً مِنْ بَعْدِ زِيَادَةٍ قَدْ أُنْشِئَ لَهَا حَوَاسُّ مُخْتَلِفَةٌ وَ جَوَارِحُ مُتَبَايِنَةٌ مِنْ بَصَرٍ وَ سَمْعٍ وَ شَامٍّ وَ ذَائِقٍ وَ لَامِسٍ مَجْبُولَةٌ عَلَى النَّقْصِ وَ الضَّعْفِ لَا يُدْرِكُ وَاحِدَةٌ مِنْهَا مُدْرَكَ صَاحِبَتِهَا وَ لَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ عَاجِزَةً