و لما كانت أوقات
الإنسان هي رأس ماله فمتى ضيعها خسر فينبغي له أن لا يتكلم فيما لا يعنيه من
المباح فضلا عن غيره و هو أنه ربما جلس إلى أقوام و حكى ما شاهده في أسفاره من
جبال و أنهار و وقائع و مما استحسنه من الأطعمة و الثياب فهذه أمور إن سكت عنها لم
يأثم و إن تكلم لها لم يغنم و إذا بلغ في الاجتهاد حتى لم يمتزج حكايته[1] عن زيادة و
نقصان و تزكية نفسه و لا اغتياب شخص و لا مذمته بشيء فأنت مع ذلك كله مضيع زمانك
و أنى تسلم من الآفات و ربما سألت غيرك عما لا يعنيك فأنت بالسؤال عنه مضيع زمانك
و قد ألجأت صاحبك أيضا إلى التضييع فإنك تسأله عن عبادته فتقول هل أنت صائم فإن
قال نعم كان مظهرا عبادته فيدخل عليه الرياء و إن لم يدخل سقطت عبادته من ديوان
السر و عبادة السر التي تفضل على عبادة الجهر بدرجات و إن قال لا كان كاذبا و إن
سكت كان مستحقرا إياك و تأذيت به و إن حال لمدافعة الجواب افتقر إلى جهد و تعب فيه
فقد عرضته بالسؤال إما للرياء أو للكذب أو للاستحقار أو للتعب في حيلة الدفع و
كذلك سؤالك عن سائر عباداته و كذلك سؤالك عن المعاصي و عن كل ما يخفيه و يستحيي
منه و سؤالك عما يحدث به عن غيره فيقول ما ذا تقول و فيم أنتم و من ذلك أنه رئي
رجل عليه جبة صوف فقيل له لم لبست هذه الجبة فسكت فقيل له لم لا تجب فقال إن قلت
زهدا فأمدح نفسي و أخشى أن أقول فقرا فأذم ربي