responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : ايقاظ الهمم فى شرح الحكم نویسنده : ابن عجيبة    جلد : 1  صفحه : 476

و أما إن حملها من أول مرة ما لا تطيقه فإنها تسقط و تملّ، و ربما ترجع بالكلية. قال صلى اللّه عليه و آله و سلم: «اكلفوا من العمل ما تطيقونه فإن اللّه لا يملّ حتى تملّوا[1]» و قال: «لا يكن أحدكم كالمنبتّ لا أرضا قطع، و لا ظهرا أبقى‌[2]» و المنبت: هو المنقطع. و حاصل ما ذكره الشيخ في هذه الحكمة أن الناس على قسمين: قسم: لا سير لهم، إذ لا توجه لهم إلى اللّه، فهم واقفون مع ظاهر الشريعة، كلما أباحته الشريعة أخذوه كان ثقيلا على النفس أو خفيفا، بل لا يأخذون إلا الخفيف لأنهم يقصدون رخص الشريعة و تسهيلها مما يوافق هواهم، فلم يغيروا من عوائدهم و شهواتهم شيئا، فعزهم وافر، و جاههم باق، و دنياهم في الزيادة، و هؤلاء عوام المسلمين. و قسم: شاقت نفوسهم إلى حضرة الملك و غلبهم الشوق، فتوجهوا إلى حضرته، و اشتغلوا بمجاهدة نفوسهم و محاسبتها، فكل ما يثقل عليها أدخلوها فيه و هي تموت، و كل ما يخف عليها جنبوها منه و هي تبكي، هكذا يدومون عليها حتى ترتاض و تلين، و حينئذ تطاوعهم فيما يريدون، فأول ما يجاهد المريد في ترك الدنيا أو التخفيف حتى لا يبقى ما يشغله عن ربه، ثم في ترك الناس و الفرار منهم ينتكر لمن يعرف، و لا يتعرف لمن لا يعرف، ثم في إسقاط المنزلة و الجاه حتى يسقط من عين الناس، و يسقط الناس من عينه، ثم في الذل و الانكسار قلبا و قالبا، بالمشي بالحفا و تعرية الرأس و غير ذلك، فإذا تحققت بالذل و التواضع و الخمول و الفقر و سكنت في ذلك و استحلته، فقد تمكن منها و ملكها، بل ملك الكون كله:

و نفسك تحوي بالحقيقة كلّها

أشرت بجدّ القول ما أنا خادع‌

فكل من ملك نفسه فقد ملك الوجود بأسره، فلو لا مجاهدة النفوس و محاربتها في هذه الميادين ما تحقق سير السائرين، إذ لا يتحقق السائر من القاعد إلا بمخالفة الهوي و خرق العوائد، فمن خرق عوائد نفسه حتى استوى عنده العز و الذل و الفقر و الغنى، و غير ذلك من مكروهات النفوس، فقد تحقق سيره و وصوله، و من لم يقدر على تغيير شعرة من نفسه فلا سير له و لا


[1] - تقدم تخريجه.

[2] - رواه ابن المبارك في الزهد( ص 415)، و البيهقي في الكبرى( 3/ 18)، و القضاعي( 2/ 184)، و ذكره العجلوني في كشف الخفاء( 1/ 300).

نام کتاب : ايقاظ الهمم فى شرح الحكم نویسنده : ابن عجيبة    جلد : 1  صفحه : 476
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست