نام کتاب : ايقاظ الهمم فى شرح الحكم نویسنده : ابن عجيبة جلد : 1 صفحه : 442
قلت: إذ لو وجدته ما طلبت شيئا، و لا افتقرت
إلى شيء أصلا، فكل من يفرح بالوارد و الحال فهو غير متحقق بالوصال، و كل من يفتقر
لغير اللّه فليس بعارف باللّه، و كل من يحتاج إلى شيء أو يركن إلى شيء فليس من
اللّه في شيء، و ليس على شيء. و كثيرا ما كنا نقول للفقراء: كل من ترونه[1] يزور غير الشيخ بعد أن قبض الورد
فهو باق من العوام، و لم يدخل بلاد الخصوص لقلة صدقه، و لو دخل بلاد الخصوص
لاجتمعت همته، و إنجمع قلبه و استغنى عن ماء غيره، فتعطشه إلى غير شيخه دليل على
أنه لم يشرب من مائه، و للّه در القائل و يقال إنه الغزالي حيث قال:
كانت
لقلبي أهواء مفرّقة
فاستجمعت
مذ رأتك العين أهوائي
فصار
يحسدني من كنت أحسده
و
صرت مولى الورى مذ صرت مولائي
تركت
للناس دينهم دنياهم و
شغلا
بذكرك يا ديني و دنيائي
و من علامة الغنى به أيضا الأنس به، و الوحشة من غيره، فاللّه يغني
عن كل شيء، و لا يغني عنه شيء، فإذا فقد حالا أو مقاما سوى شهود ربه ثم استوحش
منه فهو بعيد من الحضرة، كما أبان ذلك بقوله:
[و استيحاشك بفقدان ما سواه دليل على عدم وصلتك به].
قلت: استيحاشك بفقدان الأحوال و الواردات دليل على عدم وصلتك، إذ لو وصلت إليه لم
تستوحش من فقدان شيء، و في الحقيقة ما فقدت شيئا، و هذه علامة الغني باللّه: أنه
إذا فقد شيئا مما هو في العادة يؤلم فقده كالولد مثلا أو قريبا أو فاتته عبادة
حسية مثلا أو غير ذلك، فإنه يرجع للمعرفة، فاللّه يغني عن كل شيء و هو المقصود من
العبيد، قال اللّه تعالى: لِكَيْلا تَأْسَوْا
عَلى ما فاتَكُمْ وَ لا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ
[الحديد: 23]. قال في التنوير: اعلم أن اللّه سبحانه إنما يدخلك في الحال لتنال
منها لا لينال منك، و إنما جاءت لتحمل هدية التعريف من اللّه إليك فيها، فتوجه
إليها باسمه المبدىء، فأبداها و أبقاها حتى إذا وصلت إليك ما كان لك فيها، فلما
أدت الأمانة توجه إلهيا باسمه المعيد فأرجعها و توفاها، فلا تطلبن بقاء رسول بعد
أن بلغ