نام کتاب : ايقاظ الهمم فى شرح الحكم نویسنده : ابن عجيبة جلد : 1 صفحه : 395
و قد سأل النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم
لأصحابه حين قدموا عليه عراة، و يدخل في المندوب ما كان لرياضة النفوس حيث لم يخف
عليه كما تقدم. و أما المكروه: هو أن يسأل لقوت البشرية مع القدرة على الاستغناء
عنه بسبب من الأسباب، و هذا ما لم ينقطع للعبادة و يتجرد إلى الذكر، و أما المنقطع
إلى اللّه فلا بأس به، و قد فعله كثير من العارفين المحققين.
فقد كان أبو جعفر الحداد و هو شيخ الجنيد يسأل بابا أو بابين أو
ثلاثا بين العشاءين، فكانت العامة تتعجب منه أولا ثم عرف بذلك، فكان لا يعبييه
عليه العامة و لا الخاصة مع جلالة قدره، و علو معرفته بربه. و كان الشيخ أبو سعيد
الخراز إذا اشتدت به الفاقة يمد يده و يقول: من عنده شيء للّه؟ و كان إبراهيم بن
أدهم معتكفا بجامع البصرة، و لا يفطر إلا من ثلاثة أيام إلى ثلاثة أيام، يخرج بعد
صلاة المغرب يطلب على الأبواب فطره. و كان سفيان الثوري رضي اللّه تعالى عنه يسأل
الطعام للّه، فإن فتح بكثير أخذ كفايته و ترك الآخر، و أكثر الرجال على هذه الحال
قطعوا الدنيا الفانية لإيثارهم الأخرى الباقية، و كل ذلك لا يقدح في شريعة و لا
حقيقة، و لا يطفئ نور المعرفة، و قد أشار ابن البناء إلى هذين القسمين أعني
المندوب و المكروه، فقال:
و
كرهوا سؤاله لنفسه
ثم
أباحوه لأجل جنسه
و
لم يعدّوه من السؤال
لكن
من العون على الأعمال
إذ
كان خير الخلق في أترابه
يسأل
أحيانا إلى أصحابه
و أما المباح: فهو أن يسأل الحاجة الغير ضرورية كسؤاله لقضاء دينه،
أو ما يزيد على ستر عورته و سد رمقه، أو غير ذلك مما ليس بضرورة لكنه حاجيّ: أي
محتاج إليه. و أما المحرم: فهو أن يسأل تكثرا أو زيادة على ما يكفيه، و في الحديث:
«من له أربعون درهما فالسؤال عليه حرام[1]»،
و فيه ورد الحديث: «إنّه يبعث يوم القيامة و ليس في وجهه مزعة لحم[2]».