نام کتاب : ايقاظ الهمم فى شرح الحكم نویسنده : ابن عجيبة جلد : 1 صفحه : 388
186- عبارتهم إمّا لفيضان وجد أو لقصد
هداية مريد.
قلت: ما اشتملت عليه قلوب العارفين من المعارف و أسرار التوحيد و
غوامض العلوم التي لا تطيقها جل الفهوم هو سر من أسرار اللّه، و هم أمناء اللّه
عليها، فلا يطلعون عليها إلا من رأوه أهلا لها، إلا من كان مغلوبا على حاله، لا
يقدر على إمساكها، و هو من لم يتمكن من حاله فيها، فعبارتهم إذا إما لفيضان وجد
غلبه، فلم يقدر على إمساكه، أو لأجل هداية مريد و إرشاده و ترقيته إلى مقام استحق
الاطلاع عليه، و إلا فلا يظهرون من تلك الأسرار قليلا و لا أقل من القليل، و قد
تقدم قول بعضهم: قلوب الأحرار قبور الأسرار.
و قال آخر:
لا
يكتم السر إلا كلّ ذي ثقة
فالسرّ
عند خيار النّاس مكتوم
ثم بين حال الفريقين، و مقام الرجلين، فقال:
[الأوّل حال السالكين]. و هم المستشرفون من السائرين، حققوا و
لم يتمكنوا، فهم مملوكون في يد الأحوال، إذا غلب عليهم الوجد فاضوا و لم يشعروا، و
إذا رجعوا إلى أنفسهم ندموا و استغفروا، ثم بين حال الثاني فقال:
[و الثاني حال أرباب المكنة و المتحققين]. و
هم الراسخون المتمكنون، فلا يعبرون عن تلك الأسرار إلا لأجل هداية المريدين، و
تربية السالكين، و ترقية السائرين، و أما لغير هؤلاء فلا، فإن عبر عنها السالك لا
عن غلبة وجد كان في ذلك نوع من الدعوى، و إن عبر عنها المتمكن من غير قصد هداية
كان في ذلك إفشاء لأسرار الربوبية، و هي عندهم أعز من الكبريت الأحمر، و قد كان
الرجل يخدمهم سنين، فلا يظهرون له منها قليلا و لا كثيرا، حتى إذا رأوه أعطى نفسه
و فلسه و بذل روحه بالكلية أشاروا إليه إشارة خفية. فقد ذكر شيخ شيوخنا سيدي علي
في كتابه: أن طائفة من المريدين خدموا شيخنا ثلاثين سنة، ثم قالوا له: يا سيدنا أردنا
أن تعرفنا بربنا، فقال لهم: نعم غدا ائتوني لداري، فلما أتوه أخرج لهم صبيا صغيرا،
فوجهه إليهم ثم دخل، فانظر هذه الإشارة ما ألطفها و أخفاها، ثم منّ اللّه على أهل
هذا الزمان برجال كرام من صحبهم بالصدق منحوه من الأسرار في يسير من الزمان ما لم
يدركه المتقدمون في
نام کتاب : ايقاظ الهمم فى شرح الحكم نویسنده : ابن عجيبة جلد : 1 صفحه : 388