نام کتاب : ايقاظ الهمم فى شرح الحكم نویسنده : ابن عجيبة جلد : 1 صفحه : 371
الباب التاسع عشر
قال رضي اللّه تعالى عنه:
172- ربّما دلّهم الأدب على ترك الطلب.
قلت: الظاهر أن ربّ هنا للتكثير، لأن الغالب على العارفين و أهل
الفناء السكوت و السكون تحت مجاري الأقدار، فصدور الطلب منهم قليل، لأن العارف فان
عن نفسه غائب عن حسه، ليس له عن نفسه إخبار، و لا مع غير اللّه قرار، فلا يتصور
منه سؤال، و لا فوات مأمول: «من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي
السائلين» الأشياء تشتاق إليه، و هو غني عنها: «اشتاقت الجنّة إلى عمّار و صهيب و
بلال[1]» كما في
الحديث. و الحاصل: أن العبد ما دام غائبا عن نفسه، فإن في شهود ربه منقطعا عن حسه،
لا يتصور منه طلب أصلا، إذ الطلب يقتضي وجود الاثنينية، و الفرض أنه غريق في بحر
الوحدة، فطلبه حينئذ سوء أدب في حقه، فإن رد إلى الشعور بنفسه و هو مقام البقاء قد
يتصور منه السؤال على وجه العبودية، لا على وجه الاقتضاء و الطلب كما تقدم، ثم بين
مستندهم في ترك الطلب، فقال:
[اعتمادا على قسمته، و اشتغالا بذكره عن مسألته].
قلت: أما الاعتماد على القسمة الأزلية فقد تقدم الكلام عليها في
الحكمة قبل هذه، و أما الاشتغال بالذكر عن المسألة فقد تقدم قريبا في الحديث: «من
شغله ذكري عن مسألتي[2]». و قال
الواسطي رضي اللّه تعالى عنه: ما جرى لك في الأزل خير من معارضة الوقت، يعني
بالطلب للحظ. و قال القشيري رضي اللّه تعالى عنه إذا وجد في قلبه إشارة إلى الدعاء
دعا، كما إذا وجد نشاطا أو انبساطا للدعاء فالدعاء أولى، و إذا وجد في قلبه قبضا
فالسكوت أولى. و قال بعضهم: ما سألت اللّه تعالى بلساني شيئا منذ خمسين سنة، و لا
أريد أن أدعو و لا أن يدعى لي انتهى.