نام کتاب : ايقاظ الهمم فى شرح الحكم نویسنده : ابن عجيبة جلد : 1 صفحه : 330
نظرهم الخلق، غافلون عن طلب الحق، إذا مدحوا
و أقبل عليهم الخلق فرحوا و بطروا لنيل مرادهم و تحصيل أغراضهم، و النفس الأمّارة
مجبولة على حب الإمارة، و إذا ذموا و أدبر عنهم الخلق انقبضوا و حزنوا لفوات ما
أملوا، فهؤلاء قلوبهم خربة من النور. و أما العباد و الزهاد: فهم مجتهدون في
العبادة، فارون من الخلق، طالبون رضا الحق، مستوحشون من الناس، تحققوا منهم
الإياس، فإذا أقبلوا عليهم بالمدح و الثناء انقبضوا و خافوا أن يشغلوا عما هم فيه،
و إذا ذموا و أدبر عنهم الخلق فرحوا و انبسطوا لتفرغهم حينئذ للعبادة و إقبالهم
على ما هم عليه من المجاهدة. و أما المريدون السالكون: فهم عاملون على قتل نفوسهم
و حياة قلوبهم، فإذا ذموا و أدبر الخلق عنهم فرحوا لما في ذلك من موت نفوسهم و
حياة قلوبهم، و إذا مدحوا انقبضوا خوفا على قوة نفوسهم و ضعف قلوبهم، إذ في موت
النفس حياة القلوب، و في حياة القلوب موت النفوس. و أما العارفون: فقد ظفروا
بنفوسهم، و وصلوا إلى شهود معبودهم، فهم يستأنسون بكل شيء لمعرفتهم في كل شيء،
يأخذون النصيب من كل شيء، و يفهمون عن اللّه في كل شيء، فإذا مدحوا انبسطوا
باللّه لشهودهم المدح من اللّه و إلى اللّه، و لا شيء في الكون سواه، و ليس أحد
أحب إليه المدح من اللّه كما في الحديث، و إذا ذموا انقبضوا تأدبا مع جلال اللّه
أو شفقة على عباد اللّه: «من عادى لي وليّا فقد آذنته بالحرب[1]»،
فصار بسطهم باللّه و قبضهم باللّه و استغنوا به عما سواه، و بهذا المعنى و هو
الفناء عن النفوس صح مدحهم لأنفسهم، تحدثا بما أنعم اللّه عليهم، كالشيخ عبد
القادر الجيلاني رضي اللّه تعالى عنه و الشاذلي و المرسي و الشيخ زروق و أشباههم
رضي اللّه عنهم، و ذلك مشهور عنهم نظما و نثرا، و من أجل ذلك أيضا أقروا من مدحهم،
و أظهروا الانبساط عند مدحهم، و للمؤلف رحمه اللّه قصائد في مدح شيخه أبي العباس
رضي اللّه تعالى عنه، و كان يقول له: أيدك اللّه بروح القدس كما كان يقول صلى
اللّه عليه و آله و سلم لحسان بن ثابت رضي اللّه تعالى عنه حين يمدحه صلى اللّه
عليه و آله و سلم، و مدح الشيوخ من أعظم القربات و أقرب الوسائل إلى