نام کتاب : ايقاظ الهمم فى شرح الحكم نویسنده : ابن عجيبة جلد : 1 صفحه : 239
تعالى بالأشياء بعد وجودها، و إمداده إياها
بما تقوم به بنيتها، و هاتان النعمتان عامّتان، و اختص الإنسان بما اجتمع فيه من
الضدين و هما النور و الظلمة و اللطافة و الكثافة، فلو بقيت أيها الإنسان على ما
كنت عليه من العدم في عالم القدم لم تتمتع بنعمتين نعمة الأشباح و نعمة الأرواح، و
لو تجلى فيك بوجهة واحدة لكنت ناقصا في شهود المعرفة، لأن مزيّة الآدمي في المعرفة
أعظم، إذ بقدر المجاهدة يكون الترقي في المشاهدة لما فيه من الكثافة و اللطافة،
فكلما لطف من كثافة ترقى في مشاهدة ربه، و لما فيه من النور و الظلمة فكلما انتفت
الظلمة قوي النور بخلاف غيره من الجن و الملائكة غير المقربين، قال اللّه تعالى في
حق الملائكة: وَ ما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ
[الصافات: 164]، فما مثل الآدمي إلا كياقوتة سوداء، و هي أعظم اليواقيت كلما
صقلتها أشرقت و زاد نورها و جمالها، و مثل الملائكة كالزجاج إذا صقل مرة كفاه، و
لا يزيد نوره على أصله، فلو بقيت أيها الإنسان على ما كنت عليه من العدم أو من
اللطافة بعد قبضة القدم لم يكن لك مزية على غيرك، و مما يدلك على أن تجلي الآدمي
أعظم اختصاصه بالجنة و النظر، قال تعالى: وَ تَرَى
الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ
[الزمر: 75]، و الكلام إنما هو مع الخواص، فخواص الآدمي أعني الأنبياء أعظم من خواص
الملائكة، و خواص الملائكة، أعني المقربين أعظم من خواص الآدمي، أعني العارفين، و
العارفون أعظم من عوام الملائكة، و عوام الملائكة أعظم من عوام بني آدم، و اللّه
تعالى أعلم. فأنعم الحق سبحانه عليك أيها الإنسان أولا بنعمة الإيجاد، و أصحبك
الرأفة و الوداد لتظهر مزيتك و تكمل نعمتك، ثم أنعم عليك ثانيا بنعمة الإمداد حسية
و معنوية، أما المدد الحسي فغذاء البشرية من أول النشأة إلى منتهاها، و أما المدد
المعنوي فغذاء الروح من قوت اليقين و العلوم و المعارف و الأسرار، ثم إن هذا المدد
المعنوي من حيث هو ينقسم على ثلاثة أقسام: منه ما لا يزيد و لا ينقص، و هو مدد
الملائكة، قال تعالى فيهم:
نام کتاب : ايقاظ الهمم فى شرح الحكم نویسنده : ابن عجيبة جلد : 1 صفحه : 239