نام کتاب : ايقاظ الهمم فى شرح الحكم نویسنده : ابن عجيبة جلد : 1 صفحه : 165
للدنيا و لا للآخرة، فإذا عليّ يقال: من لم
يصلح للدنيا و لا للآخرة يصلح لنا.
و قال أبو الحسن رضي اللّه تعالى عنه: الورع نعم الطريق لمن عجّل
ميراثه و أجلّ ثوابه، فقد انتهى بهم الورع إلى الأخذ من اللّه و عن اللّه، و القول
باللّه و العمل للّه و باللّه على البينة الواضحة و البصيرة الفائقة، فهم في عموم
أوقاتهم و سائر أحوالهم، لا يدبّرون و لا يختارون و لا يريدون و لا يتفكرون و لا
ينظرون و لا ينطقون و لا يبطشون و لا يمشون و لا يتحركون إلا باللّه و للّه من حيث
يعلمون. هجم بهم العلم على حقيقة الأمر، فهم مجموعون في عين الجمع، لا يفترقون
فيما هو أعلى و لا فيما هو أدنى. و أما أدنى الأدنى فاللّه يورعهم عنه ثوابا
لورعهم مع الحفظ لمنازلات الشرع عليهم، و من لم يكن لعلمه و عمله ميراث، فهو محجوب
بدنيا أو مصروف بدعوى، و ميراثه التعزز لخلقه، و الاستكبار على مثله، و الدلالة[1] على اللّه بعلمه، فهذا هو الخسران
المبين، و العياذ باللّه العظيم من ذلك. و الأكياس يتورعون عن هذا الورع و يستعيذون
باللّه منه، و من لم يزدد بعلمه و عمله افتقارا لربه و احتقارا لنفسه و تواضعا
لخلقه فهو هالك، فسبحان من قطع كثيرا من الصالحين بصلاحهم عن مصلحهم، كما قطع
كثيرا من المفسدين بفسادهم عن موجدهم، فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ
إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [غافر: 56] انتهى. فانظر
فهّمك اللّه سبيل أوليائه و من عليك بمتابعة أحبائه هذا الورع الذي ذكره هذا الشيخ
رضي اللّه تعالى عنه، هل كان فهمك يصل إلى هذا النوع من الورع؟ ألا ترى قوله: قد
انتهى بهم الورع إلى الأخذ من اللّه و عن اللّه و القول باللّه و العمل للّه و
باللّه على البينة الواضحة، و البصيرة الفائقة، فهذا هو ورع الأبدال و الصديقين،
لا ورع المتنطعين الذي ينشأ عن سوء الظن و غلبة الواهم انتهى. قلت: هذا الورع الذي
ذكره الشيخ هو ورع الخواص أو خواص الخواص، و هو الذي يقابل الطمع كما تقدم في قول
الحسن البصري