النوم و اليقظة بحسب هذه القوانين و قد قال
بعض القدماء ان النوم فيه مماثلة ما للموت لان الأدراك بالحواس و التمييز[1] يبطلان معهما و لا يكون معهما علم
لمحسوس فلذلك ينبغي لطالبي العلوم و الفضائل ان لا يتوفروا على النوم بل يتوفروا
في مدة حياتهم على إصابة الحقائق من العلوم و الفضائل و الا كانت يقظتهم نوما و
حياتهم موتا.
القول في الأعراض النفسانية
و من الواجب على الطبيب ايضا ان يعلم ما الاعراض النفسانية و كم
أصنافها و عماذا يحدث في كل صنف منها فانه ان لم يعلم ذلك لم يقدر على حفظ الطبيعي
منها و لا على نفي ما ليس بطبيعي و قبل جميع ذلك يجب ان تعلم ان للانسان قوة يميز
بها و يفكر و قوة اخرى يغضب بها و يحرد. و قوة ثالثة يشتهي بها و يشتاق الى اللذات
و ان هذه الثلاثة قوى بها يتم للانسان حركاته و أفعاله و القدماء يسمونها قوى
نفسانية لأنهم وجدوا الأخلاق و العوارض النفسانية أنواعا لهذه الثلاثة الأجناس من
قوى النفس. و ايضا ينبغي ان تعلم ما الذي يريده[2]
القدماء بقولهم عارض و لان جالينوس قد شرح ذلك و بيّنه فيجب ان أحكي قوله بلفظه،
قال جالينوس انه متى ما دامت نفس الانسان باقية على حالها فتلك الحالة لها كالسكون
و الهدوء فان تغيرت حالها توهمنا ذلك التغير كالحركة لها. و لأن الحركة منها ما
يكون من نفس المتحرك و منها من قبل غيره سمينا الحركة التي تكون من نفس المتحرك
فعلا و سمينا الحركة التي تلحقه من قبل غيره عارضا و المثال في ذلك انه أن أخذ أحد
شيئا فنقله من موضعه الى موضع آخر كانت حركة اليد فعلا لذلك الانسان وليده و كانت
حركة الشيء عارضا للشيء و هذا حكم الفعل و العارض في حركة المكان و اما في
التغير فانه متى سخن بدن انسان من نار او من حرّ الشمس كانت السخونة عارضة للبدن و
الاسخان فعل الشيء الذي أسخن. و لما قدر الخالق تعالى لمصلحة بدن الانسان من هذه
القوى و من افعالها مقدارا ما وجب ان يكون ذلك المقدار هو الطبيعي لذلك الانسان و
ما نقص عنه او زاد عليه فهو غير طبيعي و لذلك يكون الطبيعي صحة لتلك القوة و لذلك
الجسم و الغير طبيعي مرضا لهما. و لان النفسين البهيمتين اللتين في الانسان كثيرا
ما تضر بالنفس الناطقة و خاصة