بسم اللّه الرحمن الرحيم تعبير (الأدب) في
اللغة، معناه السلوك الحسن و الخلق الرضي في التعامل مع الناس، و لأن علوم اللغة
من نثر و نظم تهذّب النفس، و تقوّم الشخصية، فقد أطلق عليها علوم الأدب، ثم صارت
تطلق هذه الكلمة على ضروب المعرفة و العلوم النظرية، و التطبيقية، فعرف منها أدب
الرحلات، و الأدب الجغرافي، و أدب الجليس، و ما على هذا المنوال. كما اطلق هذا
التعبير على ممارسة الصنائع فكان منها أدب السامع و المتكلم، و أدب القضاة) و أدب
مخالطة الحكام، و أدب الندامى، و أدب ممارسة الطب. و قد صنف العلماء العرب في جميع
هذه الميادين فعرف منها كتاب «أدب القاضي» لكل من محمد بن الحسن الشيباني المتوفى
سنة 189 ه و القاضي الحسن بن زياد اللؤلؤي المتوفى سنة 204 ه، و «كتاب العشرة»
لمسلم بن قتيبة الكوفي، و كتاب «أدب الملوك» أي الأدب بحضرة الملوك، و كتاب «أدب
النديم» لكشاجم أبي الفتح بن الحسين، و كتاب «أخلاق الطبيب» لأبي بكر الرازي
المتوفى سنة 320 ه، و «كتاب التشويق الطبي» لأبي العلاء صاعد بن الحسن (اواخر
القرن الخامس للهجرة) و منها أيضا كتاب «أدب الطبيب» لإسحاق بن علي الرهاوي، و هو
هذا الكتاب الذي بأيدينا لتحقيقه.
يقصد إسحاق بن علي الرهاوي بتعبير «أدب الطبيب» في كتابه هذا ما يجب
ان يكون عليه صاحب هذه المهنة من إيمان عميق باللّه تعالى، و معرفة واسعة بعلوم
مهنة الطب، و ما يحفظ صحة الجسم و العقل و النفس، و سلوك رضي في تعامله مع المرضى،
و ذويهم، و من حولهم من الاقرباء و الزائرين و الخدم. و اول من تناول معالجة هذا
الموضوع هو إمام الأطباء اليونانيين أبقراط القوصي المتوفى سنة 377 ق. م. فله فيه
ثلاثة آثار قيمة هي «ناموس الطب»، و «ترتيب الطب» و كتاب «العهد» المعروف بالقسم
المنسوب الى اسمه، و جميعها تهدف الى ما على الطبيب أن يتحلى به من الخلق الدمث، و
لين الطبع، و التواضع مع زملائه و مرضاه، و ما يجب أن يكون عليه من قيافة لائقة، و
نظافة اليد، و الثوب،