و مما ينبغي ان ينظر فيه من أمر النوم و اليقظة هو ان يعلم ما الذي
يفعله كل واحد منهما في أجسام الأصحاء ثم من المرضى ليقدر لكل بدن من ابدان
الحيوان بحسب حاله المقدار الكافي الموافق في حفظ الصحة و في معالجة المرض لان
النوم أحد الأمور الطبيعية التي لا قوام لصحة الانسان الا به فلذلك له وقت محدود
فيما بين الأمور الطبيعية و زمان معلوم.
بيّنه الجليل بقراط في المقالة السادسة من كتاب أبيديميا فقال: التعب
و الطعام و النوم و الجماع ينبغي ان تستعمل كلها بالقصد، قال جالينوس ان قوله
بالقصد هو أشارة الى تحديده مقاديرها لشخص شخص و لذلك صار النوم يوجد في ساير
اسنان الناس بالطبع.
فيقول ان من لطف الباري تعالى بالحيوان انه جعل له النوم و الراحة
لجسمه و ليعود الى البدن به عوض ما تحلل منه في اليقظة[1]
و ذلك ان اليقظة تنتشر معها الحرارة الغريزية الى ظاهر البدن و الى ساير اقطاره و
ينشط معها الدم الذي هو مركبها و ينشره في البدن فيتحرك الحيوان بقوة الحرارة لا
عماله و معيشته و كلما تحرك تحللت في بدنه من الرطوبات جزء بعد جزء و ما يكسبه ذلك
يبسا و لو دامت عليه الحركات و اتصلت اليقظة لأفرط اليبس على بدنه و هلك فلذلك جعل
اللّه تبارك و تعالى ازمان النوم بين أزمان اليقظة لتجتمع الحرارة في وقت النوم
الى باطن البدن فتستولي البرودة على ظاهره و تسترخي اعضاء الحيوان و تعطل حواسه
فيسكن من اعماله و تأخذ الحرارة في هضم اغذيته و اصلاح رطوباته ليوافق الأعضاء
فيأخذها بقوتها الجاذبة فيترطب بها و يكون ذلك خلف ما تحلل، و تقوى ايضا بالنوم
القوة الماسكة و القوة المغيرة و القوة الدافعة. و معلوم ان بصلاح هذه القوى
الاربع وجودة افعالها يكون البدن صحيحا و افعاله مستقيمة و ايضا فان النوم مع ما[2] انه يقوي القوى الطبيعية فانه يضعف
القوى النفسانية لان الحواس و قوى العقل فيه تضعف لامتناعها من أعمالها فاذا كان
ذلك كذلك فقد يجب على الطبيب اذا علم ذلك ان يعلم المقدار من النوم و اليقظة لكل
انسان اذ كان لكل انسان منهما مقدار طبيعي بحسب مزاجه و عادته و أعماله و أغذيته و
بحسب السن و الفصل و حال الهواء فاذا خرج احدها[3]
عن حاله الطبيعية في كميته او