تثلمها و تهشمها فان ما عدم منها و انثلم لم
يعد، و احذر ايضا عليها من الأشياء العلكة و من البرودة المفرطة كالثلج و من ورود
الأشياء الباردة بعقب الحارة، و مع جميع ما وصيتك فاجتهد الا يبرز من فيك نطقا الا
مجملا[1] حين ما
تنطق به من العلوم و لا يسمعه الا أهله و مستحقه و قل كما قال أفلاطن[2] حين جلس يوما و حوله تلامذته سوى
ارسطو طاليس فقيل له تكلم يا معلم فقال لو وجدت مستمعا لتكلمت، فقيل له حولك ايها
الحكيم ألف تلميذ، فقال أريد واحد[3]. و اذ قد
ذكرت هذه الجمل في الحواس فقد آن لي ان أرجع الى تمام القول في تلك الأمور
الطبيعية.
القول في المأكول
و اذا كان ما ذكرناه من مصالح الحواس الخمس نافع فيما نحن في الكلام
فيه من إصلاح حالات الجسم و كان ذلك قد توسط الكلام في الأمور الطبيعية على طريق
المثال و الارشاد و التنبيه، و كنا قد ذكرنا في الأمور الطبيعية أمر الهواء و أمور
الحركة و السكون فيجب أن يتبع ذلك بالقول في أمور المأكول على الطريق الذي قلناه و
سلكنا من الايجاز و ذكر الجمل النافعة التي تحث و تشوّق الى تقصي العلم بذلك من
مواضعه و كتبه، و أقول ان المأكولات تسمى أغذية على طريق الاستعارة و لانه قد يكون
منها أغذية ايضا. فأما الاغذية الحقيقية فانما هي الجوهر الذي قد تميز من
المأكولات بالطبخ الأول و الثاني و الثالث و فارقته فضلاته التي لا تغذو و بقي ذلك
الجوهر الذي يصلح ان يلتصق بالمغتذي و يخلف عليه عوض ما تحلل منه و هو الزايد في
كميته لئلا يتحلل دائما فيهلك.
و اذا كان الأمر كذلك فانت تجد المأكولات مختلفة الطعوم و الكيفيات و
بحسب أختلاف حالاتها تؤثر في البدن فيجب ان تتعرف جواهرها و أفعالها و تعنى ايضا
بمعرفة البدن و مزاجه الطبيعي له، و لا بدّ لك مع ذلك من معرفة مزاج المعدة
الطبيعي لها او المكتسب، و قد حثنا و أرشدنا الى ذلك معلمنا الفاضل جالينوس في
كتابه في الأغذية[4] فأنه