حاسّة المذاق تتم باللسان و اللّهوات و الحنك و ذلك بالعصب المبسوط
على هذه الآلات من الفم، و الفم لما كان يشتمل على الأسنان و على جميع اجزائه التي
خلقت فيه لأنواع من مصالح الجسم كتعرف لأصناف الطعوم و كيف طبعه للاغذية و كسرها[1] ما صلح ان يكسر منها ثم طحن ما
يصلح للطحن بالأضراس و تقليب اللسان لذلك الغذاء و ترطيبه بالرّيق ليتم طحنه و
تساوي أجزائه لتكون صورته واحدة في اللين ليسهل نفوذه في المري و ايضا مما ينتفع
به الحيّ في صلاح حياته بالفم ما يرد منه من الهواء الى الرية و القلب ليروح عن
حرارته الغريزية و يمدّها بما صفى و نقى من الهواء. و من منافع الفم و آلاته خروج
الصوت منه الى الحيوانات و خاصة في الانسان الذي خصّه الباري تعالى بالقوة العاقلة
القادرة على تفصيل صوته[2] و تقطيعه
بآلات الصوت و بآلات الفم حتى صحّت له النغم و الحروف و قدر تلطيف تمييزه على جميع
تلك الحروف من صح له القول الدالّ المعبر عمّا في نفسه من الأمور المتصورة فقدر
بذلك النطق على الأقاويل المختلفة و العبارات المتباينة في أصناف العلوم[3] و الفم أذن[4]
باب يدخل منه و يخرج ما ينفع الانسان في مصالح نفسه و جسمه فكما ان بحاسة الذوق و
ما خلقه الباري تعالى من القوة النفسانية المميزة للعلوم يمكن العاقل ان يعرف
الغذاء من الدواء ليستعمل كل واحد منها في وقته و يعلم ايضا مما يبرز من الفم
كثيرا من حالات البدن كالبصاق و الجشأ و القذف و ما جانس ذلك في كل واحد من هذه
الفضلات عدة علامات يستدل بها على صحة المعدة و سقمها، و كذلك حالات غيرها من
الاحشاء، كذلك يستدل العاقل من الناس من الالفاظ و الاقاويل الصادرة عن النفس على
قدر شرفها و علو فضيلتها او على حساسيتها و سقوط منزلتها و إذا كان ذلك كذلك فيجب
ان يعنى كل عاقل بنفسه و جسمه لئلا يرد اليها الا محمودا موافقا لهما و لئلا يصدر
عنهما إلا مرضي ممدوح.
و أعظم ما اعان على ذلك صلاح الحواس و خاصة الفم الذي هو الآلة للذوق
و النطق فان