منتفع بذلك بوجه آخر و هو أنك قد تحضر عند
مرضى تنال من روائحهم ما يؤذيك لا يمكنك ان تنفك منه فتلك الروائح التي قد اكسيتها
لكسوتك تمنع عنك و تقاوم لك تلك الروائح و مع ذلك فان في ذلك راحة ما و قوة نفس
عاجلة للمريض اذا اشتم روايحك بهكذا[1] ينبغي ان
تصلح هواك و لذلك يجب ان يكون تعلمك للطبيب لا لغيره. ثم اجتهد في ان يكون ما
يترقى[2] من المعدة
الى آلة الشم من البخارات محمودا و انما يتم لك باحترازك[3]
من كثرة الأغذية و الأشربة و فساد كيفياتها و سوء ترتيبها و قد ذكرت فيما تقدم من
ذلك طرفا فخذ نفسك باستعمال الموافق لك من جميع ذلك لينقاد دماغك و ساير حواسك
بذلك. و خذ نفسك ايضا بتنقية المنخرين اللذين قد خلقا كالمحرابين لتنفذ فيهما
الفضلات، و تعاهدهما بالغسل و الدهن في اوقات ذلك. و اختر لنفسك النوع الموافق من
الرياضة و الدلك و الاستحمام فان في جميع ذلك تنقية للدماغ و الحواس من [فضلاتهما]
و توق عند ممارستك العلاج من روائح الأدوية المنكرة الروائح فان تكن لا توافق
مزاجك و لا مزاج دماغك ما يزيد معاناته منها فتقدم الى غيره من صنعتها (بحضرتك)
فان الضرر الداخل من ذلك ليس هو على الدماغ و على آلة الشم فقط بل و على القلب و
الرئة فاعلم ذلك. و اجعل البرهان لك على صحة ما ذكرته ما أمر به بقراط في كتابه في
الغذاء[4] فانه يأمر
هناك بشم الروايح الموفقة الطيبة المقويّة للنفس لمن اردنا تغذيته تغذية لطيفة و
قد عاقنا عن اعطاء هؤلاء من الأغذية اللطيفة عائق ما فأمر باستعمال شم الروائح
فيهم فقال هذا القول، قال بقراط: من احتاج بدنه الى زيادة سريعة فأبلغ الأشياء في
رد قوته الشيء الرطب و من احتاج في ذلك الى ما هو اسرع فتقويته تكون بالشم.
[4] كتاب الغذاء لا بقراط، و هو باربع مقالات في
معرفة علل الاخلاط التي تتكون من الاغذية، و قد فسره جالينوس و ترجم هذا التفسير
حنين بن اسحاق الى العربية( ابن ابي اصيبعة ص 272).