قال جالينوس: ان ترتيب هذا القول في الحركة و السكون. و أما السكون
فان فعله أبدا واحدا و الزائد منه يتبعه البرودة، و يتبع البرودة الرطوبة لعلة ان
الحرارة تفني الرطوبة. فالطبيب إذا عرف أصناف الحركات التي تخصها من جهة مقدارها و
من جهة كيفياتها، و من جهة مخالطة السكون لها بلغ غرضه في حفظ الأصحاء، و في
معالجة المرضى. فان الحركة التي كيفياتها شديدة قوية عنيفة تسخن الأعضاء، و تجففها
و تصلبها و الحركة الضعيفة أفعالها أضعف، و أقل. و اختلاف الحركة من جهة مقدارها
يكون على ضربين، ايضا: أما لأن زمانها ممتد فتسمى كبيرة و فعل هذه فعل القوية، و
أما ان تكون قصيرة المدة فتفعل فعل الضعيفة، و اختلاف الحركة من جهة مخالطة السكون
لها يكون على ضربين، ايضا: احدها: بأن تكون سريعة متواترة و هذا الصنف يفعل ما
تفعله الحركة القوية. و الضرب الثاني: أن تكون بطيئة متفاوتة و هذا الصنف يفعل ما
تفعله الحركة الضعيفة. و بعد معرفة الطبيب لفعل الحركة على الأطلاق، و فعل السكون
و ما يفعل كل نوع من أنواع الحركات في بدن الانسان جملة، فعليه ان يعرف ذلك في عضو
عضو من أعضاء البدن، و لا يتم له ذلك دون أن يعرف حركات الأعضاء التي تتم بها
أفعال الأعضاء ليحفظها من الحركات بما شابهها و جانسها فتقوى و تدوم لها صحتها. و
انا أمثل لك كيف ينبغي أن نفعل ذلك من أمر الدماغ و في حاسة من الحواس الخمس
لتتخذه أصلا تتمثل به في باقي أعضاء البدن إن كنت ذا قريحة و فطنة.
فأقول: إن القدماء قد بينوا أن النفس الناطقة التي خصّ بها الانسان
تفعل أفعالها بالدماغ و بينوا أن أفعال هذه النفس منها ما يتم بأجزاء الدماغ نفسه
و هي ثلاثة، التخيل:
و هو يتم بجزئه المقدم، و التمييز: و هو يتم بجزئه الأوسط، و التحفظ:
و هو يتم بجزئه المؤخر. و هذه الأفعال الثلاثة لا تتم الا بحركات تخص هذه الأجزاء
من الدماغ ليظهر بها ما في القوى من الأفعال و من أفعال النفس أيضا ما لا يتم بقوة
بذات الدماغ لكن بقوى تسري الى سائر أعضاء البدن في الأعصاب الثابتة منه و هذه
الأفعال هي الحس، و الحركة الانتقالية و بغير شك أن هذه الأفعال أيضا لم تتم[1] الا بحركة القوة النفسانية التي
سرت في الأعصاب الى الاعضاء فقد بان أن معرفة هذه الحركات و مقاديرها و كيفياتها
على الطبيب