القول في وصف محمود الأهوية للأصحاء و
المرضى و المحمود من الأهوية للدماغ خاصة على طريق المثال
الهواء جسم خفيف و جوهر لطيف فلذلك يرد الى الجسم من مسامه و من سائر
منافذه باختيار الانسان و بغير اختياره، و لذلك صار ما يتغير[1]
منه تغييرا غير موافق للأبدان أسرع ضررا لأجل صعوبة الأحتراز منه و مثال ذلك ما
يظهر من صلاح الدماغ و سائر الحواس عند صفائه و نقائه و اعتداله، و ما يعرض من
تكدرها عند تكدره و فساده و كذلك يعرض لسائر الجسم. و احمد الأهوية الموافقة في
مزاجها ما صفا[2] و نقى و
لم يكتسب روائحا تفسده بل ما عدلته و اصلحته و الروائح الطيبة الموافقة إذ كان
الهواء لا رائحة له في ذاته. و ايضا فان الهواء و ان كانت حركته الطبيعية له واحدة
و هي الترقي الى العلو لخفة جسمه فان له حركات عرضية يتغير بها مزاجه و يطير بها
الأبدان كالذي يعرض له عندك تحريك الرياح له فان الريح الشمالية تغير مزاج الهواء
الى البرودة و اليبس.
و الجنوب الى الحرارة و الرطوبة. و اما الشرقية و الغربية فيعدلا
مزاجه و يكون تغير هذه الرياح له أقوى إذا كانت المساكن مقابلتها و وضع البلدان في
جهاتها و خاصة التي هي مقابلة طرفي المحرر و التي هي مقابلة جهتي الاعتدالين فاما
ما يهب من الرياح و ما هو من البلدان و المساكن فيما بين ذلك فامزجتها[3] تختلف بالاكثر و الأقل فافهم ذلك
ان كنت ممن يحب العناية البالغة بحفظ الصحة و معالجة الأمراض. و اعلم أن المعتدل
من هذه الرياح و المتحرك منها حركة معتدلة يصفّي الهواء و ينقيه من البخارات التي
تعلو من الأجسام الأرضية الرطبة منها و اليابسة، و لذلك صار ما اعتدلت حركته من
الهواء و توسط بين الحر و البرد و الرطوبة و اليبس و نقى جوهره هو أصلح الأهوية
للجسم الصحيح. و مثال ذلك ما يرى الدماغ عليه من جودة أعماله و قوة أفعاله، و صفاء
حواسه عند اعتدال الهواء.
و لهذه العلة صار هواء الفصلين المعتدلين هو أحمد الأهوية التي تصل
الى الدماغ و الى سائر الأعضاء للبدن أعني هواء الربيع، و بعده هواء الخريف. و إذا
كان الأمر كذلك فقد يجب