و قد كان معروف الكرخي رحمه اللّه تعالى إذا
رأى عاصيا دعا له بالمغفرة و رجا له الرحمة و يقول: إن اللّه تعالى أرسل محمدا صلى
اللّه عليه و سلم و بعثه لنجاة الناس و الرحمة لهم و الشيطان لعنه اللّه بعث
لإهلاكهم و الشماتة فيهم، قال و مر علي معروف رحمه اللّه قوم في زورق في الدجلة و
بين أيديهم الخمر و نحوه، فقيل له: ألا تدعو عليهم و ها أنت تدعو لهم فقال: معاذ
اللّه أن أدعو على مسلم و إن اللّه تعالى لا يفرحهم في الآخرة إلا إن تاب عليهم في
الدنيا و غفر لهم و هذا من حسن سياسته رحمه اللّه.
و كان إبراهيم التميمي رحمه اللّه لا يدعو قط على من ظلمه و يقول
يكفيه ما حل عليه من وزر ظلمه، و كان عمر بن عبد العزيز رحمه اللّه تعالى إذا نزل
بفناء داره رفقة و ناموا يسهر يحرس متاعهم إلى الصباح من غير علمهم بذلك، و قد روى
أن موسى عليه الصلاة و السلام قال: يا رب دلني على أحب الخلق إليك، فقال اللّه
تعالى: يا موسى أحب الخلق إلي من إذا سمع بأن أخاه المؤمن شاكته شوكة حزن لها
كأنها شاكته هو ا ه.
و كان سالم بن أبي الجعد رحمه اللّه تعالى يقول: بلغنا أن رسول اللّه
صلى اللّه عليه و سلم جلس يوما في الظل و أصحابه رضي اللّه عنهم في الشمس فنزل
جبريل عليه الصلاة و السلام فقال يا محمد تجلس في الظل و أصحابك في الشمس، أي
عاتبه صلى اللّه عليه و سلم على ذلك تشريعا لأمته، و كان أبو عبد اللّه بن عون
رحمه اللّه تعالى يقول: أول ما يرفع من هذه الأمة الرحمة و الشفقة، و قد كان سفيان
الثوري رحمه اللّه تعالى إذا حصل لأحد من المسلمين أمر يهتم به سفيان حتى ربما
يبول الدم من شدة الحصر.
و كان الحسن البصري رحمه اللّه تعالى يقول من علامة الإبدال كثرة
الشفقة و الرحمة لعامة المسلمين، و كان معروف الكرخي رحمه اللّه تعالى يقول: من
قال كل يوم اللهم ارحم أمة محمد، اللهم أصلح أمة محمد، اللهم فرج عن أمة محمد كتبه
اللّه من الإبدال ا ه، فاعلم يا أخي و اقتد بسلفك في الرحمة، و الحمد للّه رب
العالمين.
أحوال أهل الطريق
(و من أخلاقهم رضي اللّه تعالى عنهم):
موافقة الفقيه إذا أنكر شيئا من أحوال أهل الطريق أو أمرهم بشيء و لا يقيم أحدهم
عليه الحجة إلا إن علم أنه يرجع إلى قوله، و ذلك لأن الفقيه في دائرة لا يعرف
غيرها فإذا قال إن القطب مثلا أو البدل أو الوتد لا حقيقة له،