أخي فإنك رجل مخلط تخاف أولا أنك تموت في
الصلاة ثم تحدثك نفسك أنك تعيش إلى صلاة أخرى، ثم قدم غيره فصلى بالناس.
و كان داود الطائي رحمه اللّه تعالى يقول: من لازم من طال أمله أن
ينسى العمل غالبا و يسوف بالتوبة، و كان الحسن البصري رحمه اللّه تعالى يقول: من
شأن قصير الأمل أن يظن في كل شيء أكله أنه لا يخرج من بطنه إلى على يد الغاسل بعد
موته و أن ما جمعه لا ينتفع به إلا غيره، و متى ظن خلاف ذلك فهو طويل الأمل و كان
أبو عثمان النهدي رحمه اللّه تعالى يقول: إن عمري الآن مائة و ثلاثون سنة فما من
شيء إلا و تغير علي إلا أملي فإني أجده كما هو فلا حول و لا قوة إلا باللّه العلي
العظيم.
و كان يحيى بن معاذ رحمه اللّه تعالى يقول: الدنيا مطلقة الزهاد لا
تنقضي عدتها منهم أبدا و كل من طلق الدنيا تزوجته الأخرى على الفور، و قد سمعت
سيدي عليا الخواص رحمه اللّه تعالى يقول: لا يسلم إنسان منا من طول أمله لكن كل
بمقامه فأعلاهم من كان أمله نفسا واحدا فطول الأمل من رحمة اللّه لكل أحد و لولاه
ما هنأ أحد منهم العيش، و كان عبد اللّه بن عباس رضي اللّه عنهما يقول: مكتوب على
ظهر الحوت في البحر و على ظهر النواة من التمر رزق فلان بن فلان لا يأكله غيره و
مع ذلك فالحريص يجتهد و يخاف على رزقه أن يأخذه غيره، فاعلم ذلك يا أخي و الحمد
للّه رب العالمين.
الشفقة على المسلمين
(و من أخلاقهم رضي اللّه تعالى عنهم):
كثرة الشفقة على المسلمين الطائع و العاصي و على سائر الحيوانات و العمل على حصول
عدم نقص لدين أحد بسببهم و هذا من أشرف أخلاقهم و لا يقدر على العمل به إلا من نور
اللّه تعالى بصيرته، و كان أشفق على الناس من أنفسهم بحكم الإرث لرسول اللّه صلى
اللّه عليه و سلم و هناك يرغب الناس في القرب منه حتى ربما زادوا في الدار
المجاورة له أكثر من المجاورة لأهلهم، و كان عبد اللّه بن عمر رضي اللّه عنهما
يقول يزاد في ثمن الدار إذا كان جارها طلق الوجه حلو اللسان، و قد كان أبو مسلم
الخولاني رحمه اللّه تعالى من المبالغين في التخلق بالرحمة حتى إنه ربما كان يمر
بالقوم فلا يسلم عليهم و يقول: أخاف أن يحتقروني فلا يردوا علي السلام فيأثموا
بسببي، و كان أبو عبد اللّه الأنطاكي رحمه اللّه تعالى يقول: إذا علمت من الناس
الوقوع في عرضك إذا رأوك فلا تجتمع بهم رحمة لهم إلا في أوقات الصلاة، و كان أبو
عبد اللّه المغاربي رحمه اللّه تعالى يقول: