قيل له و كيف ذلك؟ قال: إذا ذكرته سبحانه و
تعالى ذكرني، قال تعالى: [اذكروني أذكركم]، و كان أبو المليح رحمه اللّه تعالى
إذا ذكر اللّه تعالى يحل له طرب و يقول إنما طربي بذكر اللّه تعالى لي فإنه سبحانه
و تعالى يقول: [اذكروني أذكركم] و كان إذا مشى في طريق و هو غافل عن ذكر اللّه
تعالى رجع ثانيا و ذكر اللّه تعالى فيها و لو مرحلة و يقول: إني أحب أن تشهد لي
البقاع التي أمر فيها كلها يوم القيامة، و قد كان داود عليه الصلاة و السلام يقول:
اللهم اجعلني من الذاكرين لك و إذا رأيتني جاوزت مجلس الذاكرين إلى مجلس الغافلين فاكسر
رجلي فإنها نعمة منك عليّ.
كان يحيى بن معاذ رحمه اللّه تعالى يقول: حادثوا القلوب بذكر اللّه
تعالى فإنها سريعة الغفلة، و كان وهب بن منبه رحمه اللّه تعالى يقول: و اعجبا من
الناس يبكون على من مات جسده و لا يبكون على من مات قلبه و هو أشد، و كان بشر بن
منصور رحمه اللّه تعالى يقلل من مجالسة الناس و يقول الاجتماع بالناس محل الغفلات
و و اللّه ما جلس عندي أحد إلا و رأيت ترك مجالسته أفضل لأنها تصير خيرا لي و له
انتهى، فاعلم ذلك يا أخي و الحمد للّه رب العالمين.
عدم وضع الجنب فى الأرض
(و من أخلاقهم رضي اللّه تعالى عنهم):
عدم وضع جنبهم في الأرض إلا عند العجز عن الجلوس و علمهم بالقرائن أن اللّه سبحانه
و تعالى يسامحهم بمثل ذلك، و كان آخر من أدركته على هذا القدم سيدي الشيخ تاج
الدين الذاكر- رحمه اللّه تعالى- فإنه أخبر أصحابه ليلة وفاته أن له سبعا و عشرين
سنة ما وضع جنبه إلى الأرض، و كذلك سيدى الشيخ أبو السعود الجارحي رحمه اللّه، و
قد كان على هذا القدم من السلف عمر بن عبد العزيز و بشر الحافي و محمد بن إسماعيل
البخاري و الإمام أحمد بن حنبل و الإمام أبو حنيفة و رابعة العدوية و الأوزاعي و
جماعة ذكرناهم في الطبقات رضي اللّه عنهم، و كان عمر بن عبد العزيز رحمه اللّه إذا
غلبه النوم يقوم فيجول في الدار و ينشد قوله:
و
كيف تنام العين و هي قريرة
و
لم تدر في أي المحلين تنزل
و كذلك كانت رابعة العدوية و شعوانة و فاطمة الرملية رحمة اللّه
عليهن كن يقلن نخاف أن نؤخذ على بغتة فعلم أن كل من ادعى الصلاح و نام في الأسحار
بلا عذر فهو كاذب، فاعلم ذلك و الحمد للّه رب العالمين.