و صار كل من رأى تلك القبة و تلك الكتابة يضحك على ذلك الفقير و يقول
إنه خاف أن لا يعتني به أحد بعد موته فعمل هو ذلك حتى يقال شيخ، و هذا كله غرور و
فتح باب للاستهزاء بالصالحين فلا حول و لا قوة إلا باللّه العلي العظيم، و الحمد
للّه رب العالمين.
ذكر اللّه
(و من أخلاقهم رضي اللّه تعالى عنهم):
عدم غفلتهم عن ذكر اللّه تعالى و عن الصلاة على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم
في كل مجلس جلسوه عملا بقوله صلى اللّه عليه و سلم: [لا يجلس قوما مجلسا لم يذكروا
اللّه فيه و لم يصلوا على نبيهم محمد صلى اللّه عليه و سلم إلا كان عليهم ترة] أي
تبعة و نقصا يوم القيامة، و أيضا عملا بقوله صلى اللّه عليه و سلم: [ليس يتحسر أهل
الجنة إلا على ساعة مرت بهم لم يذكروا اللّه فيها] ا ه.
و كان الحسن البصري رحمه اللّه تعالى يقول: قد خفف اللّه تعالى علينا
بقوله عز و جل: اذكروني أذكركم و لم يخص مكان، و لو أنه تعالى عين لنا مكانا نذكره
فيه لكان الواجب علينا السعي له و لو كان مسيرة مائة سنة كما صنع في دعاء الناس
إلى الكعبة فله الحمد و المنة، و كان الفضيل بن عياض رحمه اللّه تعالى يقول: إذا
ذكرتم الخلق في مجالسكم فاذكروا اللّه تعالى فإن ذكره دواء لداء ذكر الخلق، و قد
كان إبراهيم بن أدهم رحمه اللّه تعالى يشترط على من يريد مجالسته أن لا يغفل عن
ذكر اللّه سبحانه و تعالى، و كان عطاء السلمي رحمه اللّه تعالى يقول: لا ينبغي لمن
ظلم نفسه أن يذكر اللّه تعالى إلا بعد التوبة و الاستغفار فإن اللّه تعالى يلعن
الظالم إذا ما ذكره مادام مصرا.
(قلت) و هو يريد ما ذهب إليه القوم من التوبة كلما أرادوا أن يذكروا
ربهم عز و جل احتياطا لنفوسهم و لاحتمال ظلمهم لها و لو بارتكاب مكروه أو غفلة أو
خاطر مذموم و نحو ذلك ا ه و اللّه أعلم، و كان داود الطائي رحمه اللّه تعالى يقول:
كل نفس تخرج من الدنيا عطشانة إلا نفس الذاكرين.
و كان وهيب بن الورد رحمه اللّه تعالى يقول: إن أولى الناس باللّه من
افتتح المجلس بالذكر، و كان ثابت البناني رحمه اللّه تعالى يقول: إني لأعرف متى
يذكرني اللّه تعالى،