معه الرجال يشيعونه من المسجد إلى الدار
الأشعث بن قيس فكان يركب و الغلمان بين يديه فقال الناس: قاتله اللّه من جبار.
فإياك يا أخي و حب الرياسة في شيء من أمور الدنيا أو ما يؤول إليها،
و سيأتي بسط ذلك في مواضع من هذا الكتاب إن شاء اللّه تعالى، و الحمد للّه رب
العالمين.
[نصح بعضهم بعضا]
(و من أخلاقهم رضي اللّه تعالى عنهم):
نصح بعضهم بعضا فكان الكبير لا يتكدر من نصح الصغير له و بالعكس، و هذا بخلاف ما
عليه أهل الرعونات اليوم، و قد نصحت أنا مرة شيخا من مشايخ هذا الزمن فهجرني إلى
أن مات، و كان أنس بن مالك رضي اللّه عنه يقول: ما من شيء أحب إلى اللّه من شاب
ينصح شيخا، و شيخ ينصح شابا و بذلك صار الشاب التائب حبيب اللّه، و قال صلى اللّه
عليه و سلم: [أوصيكم بالشباب خيرا فإنهم أرق أفئدة إلا و أن اللّه تعالى أرسلني
شاهدا و مبشرا و نذيرا فجالسني الشباب و خالفني الشيوخ] فأنشدوا في ذلك:
إن
الغصون إذ لاينتها اعتدلت
و
لن يلين إذا لايتنه الخشب
قال أنس: و كان الشباب على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا
يتعبدون إلا قليلا فلما توفى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم زادوا في العبادة و
قالوا: إن كنا في أمان من نزول العذاب بنا في حياة رسول اللّه صلى اللّه عليه و
سلم فلما مات رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ذهب ذلك الأمان، و كان أحمد بن حرب
يقول: ينبغي للرجل أن يرتدع عن الهوى و المعاصي إذا بلغ الأربعين سنة، و إذا طلع
الشيب في رأسه، و إذا حج إلى بيت اللّه الحرام، و إذا تزوج فإن الزنا بعد التزويج
أقبح من كل قبيح، قلت و المعنى أن ما ذكر يشتد قبحه على من تخلق بهذه الصفات لا
أنها كانت مباحة لمن لم يبلغ الأربعين نظير ما قالوا:
يستحب للصائم ترك الغيبة. و كان يحيى بن معاذ يقول: أعمر الإنسان في
هذه الدار و لو طال إلا كنفس واحد في جنب عيش الجنة، و من يضيع نفسا واحدة يعيش به
عيش الأبد إنه و اللّه من الخاسرين، و كان كعب الأحبار يقول: الشاب المتعبد أحب
إلى اللّه من الشيخ المتعبد، و مر رجل على حذيفة بن اليمان و حوله فتيان جلوس فقال
ما هؤلاء الأحداث حولك؟ فقال: و هل الخير إلا في الشباب، أما سمعت قول اللّه
تعالى: [قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ][1]، و قوله تعالى: [إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ
آمَنُوا بِرَبِّهِمْ][2]، و قال تعالى: