يبول في صحن داره فخرج ليلا من حجرته ليبول فيه
فلم يزل شاخصا إلى الصباح فقيل له ذلك، فقال: لما أردت أن أبول تذكرت أهل النار و
ما هم فيه لم يزالوا يعرضون علي بسلاسلهم و قيودهم إلى الصباح فلم يأخذني نوم.
(و كانت) فاطمة امرأة عمر بن عبد العزيز تقول: و اللّه ما سم عمر و
لا قتل كما قيل، و إنما مات في خشية اللّه و خوف النار، و كان ثابت البناني يقول
مردودا 7 بتنور يوقد فتذكر النار الكبرى فاضطرب و صعق و كادت تخلص
أعضاؤه و أوصاله و كانوا يشدونها بالحبال حتى يقدر على أن يحركها فلا تزال كذلك
مشدودة أياما، و كان يقول في أيام الحر إلهي لا صبر لنا على حر شمسك فكيف نصبر على
حر نارك.
و كان يزيد بن مرثد لا يزال عيناه تهملان بالدموع فقيل له في ذلك
فقال: لو أذن اللّه تعالى على أن يدخلني في ماء الحمام إن عصيته لكان يحق لي أن
أبكي الدم، فكيف و قد وعد من عصاه أن يحرقه بالنار، و مر عيسى عليه الصلاة و
السلام على مقبرة فسمع قائلا يقول:
كم من بدن صحيح و وجه مليح و لسان فصيح بين أطباق الثرى يصيح، و كان
أحمد بن حرب يقول ما رأيت أسخف من عقولنا نؤثر الظل على الشمس و لا نؤثر الجنة على
النار.
فاعلم ذلك يا أخي و اجعل نظرك للوجود عبرة، و الحمد للّه رب
العالمين.
تحذير الناس
(و من أخلاقهم رضي اللّه تعالى عنهم):
تحذيرهم للناس أن يتبعوهم على أفعالهم الرديئة نصحا للعباد في حياتهم و بعد مماتهم
لئلا يلحقهم الإثم بسبب من اتبعهم على تلك الصفات الرديئة التي ربما تقع منهم في
غفلة أو سهو، و قد بلغنا أن السيل كشف عن قبر أيام إسكندر ذي القرنين من ذهب طوله
عشرة أذرع و عرضه كذلك فكشفوا الغطاء فإذا في ذلك القبر شخص نائم على سرير قوائمه
من ذهب و هو مغطى بالحرير و في عنقه لوح من زبرجد مكتوب فيه اسم واجب الوجود و علة
العلل كل ما له ابتداء فله انتهاء، قد ملكت الربع المسكون من الدنيا ألف سنة و بلغ
خراجي كل يوم زنة قبري هذا ذهبا، و سخر لي الشمس و القمر و الأفلاك، أطاعني الريح
و الماء و النار و الحديد ثم صعدت إلى الجو العلوي و تركت هذا الجسد بينكم يتلاشى
ليعتبر به من بعدي، فلا مخلوق إلا سيفنى و الباقي اللّه رب العالمين، ذكره الغزالي
ففي ذلك تحذير هذا الملك للناس من أن يتبعوه في الغفلة عن الموت اشتغالا بالدنيا.