و كم شممنا منك الروائح الطيبة حال طاعتك
الخالصة و إن كان قد صحبهما بسوء قالا له لا جزاك اللّه عنا من صاحب خيرا فكم
أحضرتنا معك حال معاصيك و كم شممنا منك رائحة النتن، و كان رضي اللّه عنه يقول: لا
يقدر على رضا اللّه إلا من يعلم أن اللّه تعالى يراه على الدوام.
(قلت): قد ذكر المحققون أن مراقبة اللّه تعالى مع الأنفاس ليست من
مقدور البشر فليتأمل ما هنا، و كان سفيان الثوري يقول ما استعد للموت من ظن أنه
يعيش غدا و كان يقول الطاعات تتفرع من ذكر الموت و المعاصي تتفرع من نسيانه.
فاعلم يا أخي ذلك و عليك بالوحدة و مجالسة العباد و الزهاد و العلماء
العاملين، و إياك و مجالسة الغافلين و الراغبين فإن مخالطتهم ظلمة على القلب و
حجاب عن شهود أهوال يوم القيامة، و الحمد للّه رب العالمين.
النظر إلى الدنيا بعين الاعتبار
(و من أخلاقهم رضي اللّه تعالى عنهم):
النظر إلى الدنيا بعين الاعتبار لا بعين المحبة لها و شهواتها كما قد درج عليه
جمهور السلف الصالح رضي اللّه عنهم، و قد جاء سعد بن أبى وقاص يوما إلى رسول اللّه
صلى اللّه عليه و سلم فقال له: أين كنت يا سعد؟ فقال: كنت عند قوم في البادية
همتهم لذات بطونهم و فروجهم. فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: [ألا أخبرك
بما هو أعجب من ذلك؟ فقال:
بلى، فقال: من عرف مثل هذا الذي أنكرت عليهم ثم فعل كفعلهم] و كان
سفيان الثوري رضي اللّه عنه يقول: من أعمل الفكرة و العبرة في الدنيا لم ينقص له
عمل صالح.
(و قيل) لحاتم الأصم متى يكون أحدنا من أهل الاعتبار في الدنيا فقال:
إذا رأى كل شيء في الدنيا عاقبته إلى الخراب و صاحبه يذهب إلى التراب، و كان يحيى
بن معاذ يقول:
ليكن نظرك إلى الدنيا اعتبارا و سعيك لها اضطرارا و رفضك لها
اختيارا، و كان حاتم الأصم يقول: من خرجت من داره جنازة و لم يعتبر لها لم ينفعه
علم و لا حكمة و لا موعظة، و كان أحمد بن حرب يقول: تعجب الأرض من رجلين ممن يمهد
مضجعه للنوم و يوطئ فراشه تقول له الأرض يا ابن آدم لم لا تذكر طول بلاك في بلا
فراش و تعجب ممن تشاجر مع أخيه في قطعة منها. تقول له الأرض لما لا تتفكر في
أربابها قبلك فكم مضى من الناس رجل ملكها و لم يقم فيها.
و كان مالك بن دينار يقول: كل من لم يعتبر بصره و بصيرته من هذه
الدار إلى الدار الآخرة فهو محجوب القلب قليل العمل، و قال إبراهيم بن أدهم: كان
إبراهيم التيمي