(و من أخلاقهم رضي اللّه تعالى عنهم):
كثرة الحزن و الهم كلما تذكروا الموت و سكراته خوف سوء الخاتمة حتى تزلزل عقولهم
من شدة الألم، و قد كان كعب الأحبار يقول: لما أتى البشير إلى يعقوب 7
قال يعقوب: ما عندي شيء أكافئك به و لكن هون اللّه عليك سكرات الموت.
(قلت): و قد تقدم عن بعضهم أنه كان يقول لعلي أكره تخفيف طلوع روحي و
إنما أحب التشديد لأنه آخر عمل يثاب عليه المؤمن فما هنا في حق من يخاف عليه السخط
إذا شدد اللّه عليه و اللّه أعلم، و كان يقول: مثل الموت كشجرة الشوك أدخلت في جوف
ابن آدم فأخذت كل شوكة بعرق ثم اجتذبها رجل شديد الجذب فقطع ما قطع و أبقى ما
أبقى، و كان سلمان الفارسي يقول: إذا رشح جبين المؤمن عند الموت و ذرفت عيناه و
انتشر منخراه فهو في رحمة اللّه قد نزل، و إذا غط غطيط المخنوق و خمد لونه و أزبدت
شفتاه فهو في عذاب قد نزل، و كان حسن البصري إذا حضر قبض روح أحد من إخوانه يمكث
أياما لا يذوق طعاما و لا شرابا إنما هو البكاء و النحيب، و كان يقول: ثلاثة لا
ينبغي للمؤمن أن ينساهن الدنيا و تصرم أحوالها و الموت.
و كان سفيان الثوري إذا ذكروا بين يديه الموت لا ينتفع به أحد أياما،
و إذا سأله أحد عن شيء يقول لا أدري، و كان شقيق الزاهد يقول: قد خالف الناس في
السنة أمورا قالوا إن اللّه تعالى تكفل بأرزاقنا ثم لم تطمئن قلوبهم إلا بشيء
يجمعونه عندهم، و قالوا إن الآخرة خير من الأولى و تراهم يجمعون المال و لا
ينفقونه فكأنهم لم يدخلوا الدنيا إلا ليحملوا الذنوب، و قالوا لابد لنا من الموت و
هم يعلمون أعمال من ليس على باله موت، و لما حضرت الوفاة عطاء السلمي نظر إلى
أصحابه و هم يدعون له بالتهوين فقال كفوا عن الدعاء فو اللّه إني أود أن روحي
تتردد بين لهاتي و حنجرتي إلى يوم القيامة خوفا مما أهجم عليه بعد الموت، و كان
يقول: من أراد أن ينظر إلى الأرض بعد أهلها فلينظر إلى منازل الحجاج حين يرتحلون
عنها و أنشد أبو العتاهية:
نفنى
و تبقى الأرض بعد كمثل ما
يبقى
المناخ و ترحل الركبان
و كان الحسن بن عمران يقول الموت أشد من نشر المناشير و من طبخ
القدور و لو أن ألم شعرة واحدة من الميت وضع على أهل الدنيا لوجدوا من ذلك ألما
يشغلهم عن الأكل