تعالى ركعتين خلف المقام ثم نظر إلى السماء
فانقلب مغشيا عليه، قال الداراني و ما فعل به ذلك مجرد نظره إلى السماء و إنما ذلك
من التفكر في أهوال القيامة،
و كان وهب بن منبه رحمه اللّه تعالى يقول: كان إبراهيم الخليل عليه
الصلاة و السلام إذا ذكر خطيئة يغشى عليه و يسمع و جيب قلبه من مسيرة ميل فيقال له
تفعل ذلك و أنت خليل الرحمن فيقول إذا ذكرت خطيئتي نسيت خلتي قال: و صلى الفضيل بن
عياض رحمه اللّه الفجر يوما فقرأ يس فلما بلغ قوله تعالى:
[إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا
مُحْضَرُونَ][1]، سقط ابنه علي رحمه اللّه فلم يفق حتى طلعت الشمس، و قد كان عليّ
هذا إذا أراد أن يقرأ سورة لم يقدر أن يتمها و كان لا يقدر يسمع سورة إذا زلزلت
الأرض و لا سورة القارعة أبدا، قال: و لما مات ضحك أبوه الفضيل فقيل له في ذلك و
كان كثير الحزن فقال: إن اللّه أحب موته فأحببت ذلك لحب اللّه، و كان يقول لوالده
ادع اللّه لي أن يقدرني على سماع سورة كاملة أو على ختم القرآن و لو مرة قبل موتي،
و كان الحسن البصري رحمه اللّه تعالى يقول: كان أحدهم يقرأ القرآن في الليل فإذا
أصبح عرف الناس ذلك في وجهه من شدة التغير و الاصفرار و النحول و الذبول فصار
الناس اليوم يقرأ أحدهم القرآن كله في الليل فإذا أصبح لا يظهر على وجهه منه شيء
و كأنه حمل رداءه، و كان ميمون بن مهران رحمه اللّه تعالى يقول: سمع سلمان الفارسي
رضي اللّه عنه قارئا يقرأ قوله تعالى: [وَ إِنَّ جَهَنَّمَ
لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ][2] فصلح و وضع يده على رأسه و خرج هائما لا يدري أين يتوجه مدة ثلاثة
أيام.
فتأمل يا أخي في أحوال سلفك فهل غشى عليك قط عند سماع كلام ربك عز و
جل خالصا أم لم يغش عليك لا خالصا و لا مرائيا لقسوة قلبك فخذ حذرك و عليك بالجوع
فإنه يرقق القلب، و الحمد للّه رب العالمين.
انخلاع قلوبهم
(و من أخلاقهم رضي اللّه تعالى عنهم):
انخلاع قلوبهم من أجسامهم في كل مرضة يمرضونها لاحتمال أن تكون تلك المرضة آخر
آجالهم فلا يمكنهم التوبة و لا تدارك الحقوق فيذهبون إلى الآخرة و هم عصاة كالعبد
المجرم الذي فسق في حريم سيده و أتوه به حال