(و من أخلاقهم رضي اللّه تعالى عنهم):
كثرة الخوف من اللّه تعالى إذا ذكروا أهوال يوم القيامة و كثرة الغشيان و الصعق
إذا سمعوا القرآن و الذكر، و قد قرأ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يوما قوله
تعالى: [إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالًا وَ جَحِيماً 12 وَ طَعاماً ذا
غُصَّةٍ وَ عَذاباً أَلِيماً][1]، و كان وراءه حمران بن أعين فخر ميتا رضي اللّه عنه، و قد دخل يزيد
الرقاشي على عمر بن عبد العزيز رحمهما اللّه تعالى يوما فقال له: عظني يا يزيد،
فقال له أمير المؤمنين أنك لست أول خليفة يموت فبكى عمر، و قال له زدني: فقال له:
ليس بينك و بين أبيك آدم أب حي فبكى عمر، و قال له زدني: فقال له: ليس بين الجنة و
النار منزلة أخرى فسقط عمر مغشيا عليه.
و كان الحسن بن صالح رحمه اللّه تعالى يؤذن مرة فقال أشهد أن لا إله
إلا اللّه فغشى عليه فحملوه من المنارة و نزلوا به و صعد أخوه فأذن و صلى بالناس و
الحسن في غشيته، و كان أبو سليمان الداراني رحمه اللّه تعالى يقول: ما رأيت أحدا
أكثر خشوعا من الحسن- يعني ابن صالح- رحمه اللّه قام ليلة إلى الصباح بسورة عم
يتساءلون يرددها و يغشى عليه إلى الفجر و لم يتم السورة، و كان كلما غشى عليه يجدد
طهارة.
و قد مر داود الطائي يوما على امرأة تبكي على قبر لها و تقول: ليت
شعري بأي خديك بدأ الدود فخر داود مغشيا عليه، و قد كانت شعوانة العابدة رحمة
اللّه عليها تقول في مناجاتها: إلهي أنت أكرم الكرماء و سيد السادات و رجاء
المسلمين فأسألك أن تغفر اليوم لكل من تعرض لمعصيتك بعد معرفته بعقوبتك ثم تصرخ و
يغشى عليها و تقول: هاه، و قد قرأ أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه يوما [إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ]
حتى وصل إلى قوله تعالى:
[وَ إِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ][2]
فخر مغشيا عليه و صار يضطرب على الأرض ساعة طويلة، قال و سمع الربيع بين خيثم رحمه
اللّه تعالى قارئا يقرأ قوله تعالى: [إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ
مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَ زَفِيراً][3]
فخر مغشيا عليه ثم حمل إلى بيته ففاته الظهر و العصر و المغرب و العشاء و كان هو
الإمام في حارته، و في رواية كان القارئ عبد اللّه بن مسعود، و قد كان أبو سليمان
الداراني رحمه اللّه تعالى يقول: صلى سفيان الثوري رحمه اللّه