و الآثار في ذلك كثيرة مشهورة في كتاب
الرقائق و ما تميز أهل اللّه عز و جل عن غيرهم إلا بالإقبال على الآخرة و التهيؤ
لأحوالها، فتأمل يا أخي في نفسك و ما أنت منطو عليه من الغفلة و السهو عما يقر بك
إلى اللّه تعالى و أكثر من الاستغفار و الحمد للّه رب العالمين.
تمنى الموت
(و من أخلاقهم رضي اللّه تعالى عنهم):
تمني الموت إذا خافوا على أنفسهم فيما يسخط اللّه عز و جل عليهم و ذلك بأمارات
تظهر لهم من أنفسهم هي كالمقدمات للمعاصي و القرائن معدودة من الأدلة في كثير من
المواضع و قد كان عابس الغفاري رضي اللّه عنه في أيام الطاعون يقول يا طاعون خذني
و يكرر ذلك فقال له ابن عم له: كيف تقول ذلك يا عابس و قد سمعت رسول اللّه صلى
اللّه عليه و سلم يقول: [لا يتمنى أحدكم الموت فإنه انقطاع لعمله] فقال عابس:
نعم سمعته يقول ذلك. و لكني أخاف ستا سمعته صلى اللّه عليه و سلم
يتخوفهن على أمته: أمارة السفهاء، و كثرة الشرط، و بيع الحكم، و قطيعة الرحم، و
الاستخفاف بالدم، و نشوا يتخذون القرآن مزامير يقدمون أحدهم ليس بأفصحهم في الدين
و لكن يقدمونه ليغنيهم به غناء انتهى.
و كذلك تمنى أبو بكرة الموت رضي اللّه عنه فقيل له ذلك فقال: أخاف أن
أدرك زمانا لا أمر فيه بالمعروف و لا نهي فيه عن المنكر، و قد كان أبو هريرة رضى
اللّه عنه يقول: سيأتي على الناس زمان يكون الموت أحب إلى العلماء فيه من الذهب
الأحمر حتى يأتي الرجل قبر أخيه فيقول يا ليتني كنت مكانك، و كان يحيى بن معاذر
رحمه اللّه تعالى يقول: من أطاع اللّه لم يتمن الموت، و كان عمر بن عبد العزيز
رحمه اللّه تعالى إذا رأى أحدا فيه خيرا قال له: ادع لي بالموت، و كان أبو الدرداء
رضي اللّه عنه يقول: ما من مؤمن و لا كافر إلا و الموت خير له، فإن اللّه تعالى
يقول: [و ما عند اللّه خير للأبرار]، و قال:
[إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ][1]، و قد كان سفيان الثوري رحمه اللّه تعالى يقول: لقد أدركت مشايخنا و
هم يتمنون الموت رضي اللّه عنهم فكنت أعجب منهم حتى صرت الآن أتعجب ممن لا يحب
الموت.
و كان عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه يقول: ذهب صفو الدنيا و بقى
كدرها، فالموت اليوم تحفة لكل مسلم، و كان عمر بن عبد العزيز رحمه اللّه يقول: ما
أحب أن يخفف عني الموت