يقول: لا يجد عبد صريح الإيمان حتى يعلم بأن
اللّه تعالى يراه فلا يعمل سرا يفتضح به يوم القيامة، و كان مالك بن دينار رحمه
اللّه تعالى يقول: لو علمتم ما أغلق بابي عليه دونكم ما جلس أحد منكم حوله.
(قلت): و هذا من باب الهضم لنفسه و الاتهام لها رضي اللّه عنه، و كان
سفيان الثوري رحمه اللّه تعالى يقول: قد غلب على القراء في هذا الزمان الرياء
يظهرون للناس النسك و العبادة و باطنهم مشغول بالغل و الحقد و الشحناء لبعضهم و
إذا كان لكم حاجة عند قارئ فلا تتشفعوا عنده بقارئ مثله يقسو قلبه عليكم، و لكن
تشفعوا عنده بأحد من الأغنياء فإنه أقضى لحاجتكم انتهى.
و سيأتي الكلام على هذا الخلق في مواضع من هذا الكتاب ففتش نفسك يا
أخي هل تساوت سريرتك و علانيتك أم لا و أكثر من الاستغفار و اعلم أن من أظهر للناس
خلاف ما في باطنه فهو منافق يحشر غدا مع المنافقين فافهم ذلك و الحمد للّه رب العالمين.
كثرة الصبر
(و من أخلاقهم رضي اللّه تعالى عنهم):
كثرة الصبر على جور الحكام و شهودهم أن ذلك دون ما يستحقونه بذنوبهم، و كان صالح
المري رحمه اللّه تعالى يقول: إذا لم تتساو سريرة الناس و علانيتهم فلا يستغربون
ما يحل بهم من أنواع البلايا و الآفات، و كان عمر بن عبد العزيز رحمه اللّه يقول:
كان الحجاج الثقفي بلاء من اللّه وافق خطيئة، و كان الإمام أبو حنيفة رضي اللّه
تعالى عنه يقول: إذا ابتليت بسلطان جائر فخرقت دينك بسببه فرقعه بكثرة الاستغفار
لك و له أيضا، و قد كتب أخ لمحمد بن يوسف رحمه اللّه تعالى يشكو إليه من جور
الولاة في بلاده، فأجابه محمد بقوله: قد بلغنا كتابك و لا يخفى عن علمك يا أخي أنه
ليس لمن عمل بالمعصية أن ينكر وقوع العقوبة، و ما أرى ما أنتم فيه إلا من شؤم
الذنب و السلام.
و قد حبس هارون الرشيد رحمه اللّه تعالى رجلا ظلما فكتب إليه الرجل
اعلم يا هارون أنه ما من يوم يمضي من حبسي و بؤسي إلا و يمضي من عمرك و نعيمك
مثله، و الأمر قريب و الحاكم بيني و بينك اللّه تعالى، قال: فلما قرأها الرشيد خلى
سبيله و أحسن إليه، و قال: و جاءوا مرة بمال من السلطان لإبراهيم بن أدهم رحمه
اللّه تعالى ليفرقه على الفقراء الذين يعرفهم فرده إبراهيم عليهم و قال: إذا حاسب
اللّه تعالى الظالم يوم القيامة