لمعاشه و دينه لمعاده، و كان قيس بن عاصم مع
شدة زهده و ورعه رحمه اللّه تعالى يقول لبنيه: عليكم بجمع المال الحلال فإنه يسر
الصديق و يكمد العدو و تستغنون به عن سؤال الناس لا سيما اللئيم و إياكم و سؤال
الناس فإنه كسب العاجزين اه.
و كان الفضيل بن عياض رحمه اللّه تعالى يقول: لقد أدركنا الناس و هم
يبيعون في السوق و على أحدهم الزحام من الناس فإذا سمع الأذان للصلاة نهض مسرعا و
ترك البيع، و أما أهل زماننا فإن نفق السوق أخروا الصلاة و إن كسد ندموا، و كان
أبو قلابة رضي اللّه عنه يقول:
عليكم بملازمة السوق و الصنعة فإنكم لن تزالوا كرماء على إخوانكم ما
لم تحتاجوا إليهم.
و قد وقف سائل مرة على باب مالك بن دينار رحمه اللّه تعالى فخرج إليه
برغيف فأعطاه له، فقال له: زدني، فأعطاه آخر، فلم يزل يسأل و يستزيد و مالك يعطيه
حتى أخرج إليه جميع ما عنده في البيت حتى الأواني و الفرش و غير ذلك فقال له:
زدني، فقال مالك:
اللّه يا أخي لم يبق عندي شيء إلا أن تأخذني و تبيعني و تقبض ثمني،
قال: فتركه السائل و ذهب و لم يأخذ شيئا مما أعطاه له، قال بعضهم: و يقال إنه كان
ملكا جاء ليختبره، و قد كان عيسى عليه الصلاة و السلام يقول من رد سائلا خائبا لم
تغش الملائكة بيته سبعة أيام عقوبة له.
(قلت) و محل ذلك ما إذا رده مع القدرة و أما العاجز فلا و اللّه
أعلم، و قد سئل سحنون رحمه اللّه تعالى عن الرجل يسأله السائل فيخرج له بصدقته
فيجده ذهب فماذا يفعل بتلك الصدقة، فقال: أحب أن يتصدق بها على غيره و إن أعادها
إلى ماله فلا بأس ا ه، فاعلم ذلك يا أخي أنفق كل ما دخل في يدك و فضل عن حاجتك و
لا تدخر شيئا إلا على اسم غيرك من العائلة و نحوهم، و الحمد للّه رب العالمين.
كثرة الصدقة
(و من أخلاقهم رضي اللّه تعالى عنهم):
كثرة الصدقة ليلا و نهارا بكل ما فضل عن حاجاتهم بشرط الحل في ذلك كما تقدم مرارا،
فقد ورد في الحديث [و لا يكسب عبد مالا من حرام فيتصدق به فيقبل منه و لا يتركه
خلف ظهره إلا كان زاده إلى النار]، و قد كان سيدي علي الخواص رحمه اللّه تعالى
يقول: ترك قبول الشبهات و عدم التصدق بها أولى و هذا الخلق قد كثر تخلق الفقراء به
في هذا الزمان، فيأخذ أحدهم في الشبهات و يتصدق بها