و كان عبد اللّه بن المبارك رحمه اللّه
تعالى يقول: التعزز على الأغنياء تواضع و قد كان حذيفة رضي اللّه عنه يقول: اتقوا
الوقوف على أبواب السلاطين فإنها مواضع الفتن، و كان أبو الدرداء رضي اللّه عنه
يقول: ما أنصفنا إخواننا الأغنياء يقول لي أحدهم إني أحبك في اللّه يا أبا
الدرداء، فإذا طلبت من أحدهم شيئا من الدنيا فارقني و هرب، و يكفينا من الأغنياء
في الشرف فرارهم إلينا عند الشدائد و عدم فرارنا نحن إليهم.
و قد كان سعيد بن المسيب رحمه اللّه تعالى يتجر في الزيت و يقول: إن
في هذا الغنى عن الوقوف على أبواب الأمراء، و كان ميمون بن مهران رحمه اللّه تعالى
يقول: صحبة السلطان خطر عظيم فإنك إن أطعته خاطرت بدينك و إن عصيته خاطرت بنفسك
فالسلامة أن لا تعرفه و لا يعرفك، و لما خالط الزهري السلطان كتب إليه مالك بن
دينار يقول: عافانا اللّه يا أخي مما وقعت أنت فيه من الفتن بعد أن كنت شيخا عالما
ختمت عمرك بصحبة الظالمين و صرت تحاجج عنهم إذا أنكر أحد عليهم، و لو لم يكن في
قربك منهم إلا أنك آنستهم و طردت وحشتهم لكفاك ذلك من الإثم، ثم إن مالكا هجره إلى
أن مات ا ه.
فاعلم ذلك يا أخي و إياك و مجالسة الأغنياء و أبناء الدنيا إلا
لضرورة شرعية يسوغ لك معها ذلك، و الحمد للّه رب العالمين.
المال للإنفاق
(و من أخلاقهم رضي اللّه تعالى عنهم):
محبة المال للإنفاق لا للإمساك و تقديمهم الخوف من الحاجة إلى الناس على خوف
الحساب من جهة ذلك المال الذي ربما دخلته الشبهة، و قد كان سفيان الثوري رحمه
اللّه تعالى يقول: لأن أخلف بعدي أربعين ألف دينار أسأل عنها يوم القيامة أحب إلي
من أن أقف على باب أحد أسأله حاجتي، و في حكمة لقمان 7 قال: يا بني
استغن بالكسب الحلال عن الفقر، فإنه ما افتقر أحد إلا و أصابته ثلاث خصال، الأولى:
رقة الدين، و الثانية: ضعف العقل، و الثالثة: ذهاب المروءة و هي أعظمها، و أعظم من
هؤلاء الثلاثة استخفاف الناس به.
و كان سفيان الثوري رحمه اللّه تعالى يقول: حفظك لما في يدك لتقضي به
حاجتك أولى من تصدقك به و طلبك لما في يد غيرك فإن العبد لا يزال بخير ما حفظ
خصلتين درهمه