و قد كان عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه
يقول: إني لأكره أن أرى رجلا فارغا من أعمال الدنيا و الآخرة، و كان أبو قلابة رضي
اللّه عنه يقول: إذا كان الرجل في معاشه ساعيا فهو أفضل من الجالس في المسجد، و قد
كان أبو سليمان الداراني رحمه اللّه تعالى يقول: ليس الشأن أن تصف قدميك للعبادة و
غيرك يتعب لك إنما الشأن أن تحوز رغيفك في بيتك ثم تعلقه و تصلي فلا تبالي بعد ذلك
بأي داق دق الباب، بخلاف من قام في بيته يصلي و ليس عنده شيء يأكله فيصير كل داق
دق الباب يقول: إن معه رغيفا، و كان سفيان الثوري رحمه اللّه تعالى يقول لأصحابه:
عليكم بالحرفة فإن عامة من أتى أبواب الأمراء إنما أتاهم من حاجة ا ه، فاعلم ذلك
يا أخي و اعمل عليه و اتبع سلفك، و الحمد للّه رب العالمين.
حب المساكين
(و من أخلاقهم رضي اللّه تعالى عنهم): حب
المساكين و التواضع لهم و النفرة من مجالسة الأغنياء من غير احتقار لهم عملا بقوله
صلى اللّه عليه و سلم: [اللهم أحيني مسكينا و أمتني مسكينا و احشرني في زمرة
المساكين]، و قد كان سليمان بن داود عليهما الصلاة و السلام مع ما أوتيه من الملك
إذا دخل المسجد يجالس المساكين و يقول مسكين جالس مساكين، و كان عيسى عليه الصلاة
و السلام يحب أن ينادى يا مسكين و لم يكن أحب إليه إلا هذا الاسم، و كان سفيان
الثوري رحمه اللّه تعالى يقول: يختبر عقل الرجل بما إذا جلس بجنبه على بساطه مسكين
رث الهيئة بغير إذنه فإن تكدر منه فهو ناقص العقل.
و كان الفضيل بن عياض رحمه اللّه تعالى يقول: بلغنا أن نبيا من
الأنبياء عليهم الصلاة و السلام قال: يا رب كيف لي أن أعلم رضاك عني، فأوحى اللّه
تعالى إليه أن انظر رضا المساكين عنك، و روى أن أبا بكر الصديق رضي اللّه عنه زجر
جماعة من أهل الصفة في أمر بلغه عنهم رضي اللّه عن الجميع فبلغ ذلك رسول اللّه صلى
اللّه عليه و سلم فقال له: [لعلك يا أبا بكر أغضبتهم، إن كنت أغضبتهم فقد أغضبت
ربك] قال: فذهب إليهم أبو بكر و تعطف بهم و قال: لعلي أغضبتكم؟
فقالوا: لا و يغفر اللّه لك يا أبا بكر، و قد كان عبد اللّه بن عباس
رضي اللّه عنهما يقول: أتباع الأنبياء في كل زمان الفقراء و المساكين دون الأغنياء
و المتكبرين.
و قد كان رسول اللّه أشد الناس تواضعا للفقراء و كان إذا جلس عندهم
يضع الركبة على الركبة و يقول: إنما أنا عبد أجلس كما يجلس العبد، و في الحديث [من
سره أن يتمثل له الناس قياما فليتبوأ مقعده من النار].