فقال له النبي صلى اللّه عليه و سلم: أعندك
قوت يومك، قال: نعم و قوت غد يا رسول اللّه، فقال صلى اللّه عليه و سلم: لو كان
عندك قوت بعد غد كنت من المثقلين] ا ه، فهذا ميزان الشريعة و أنت أعلم بنفسك، و
الحمد للّه رب العالمين.
الحرفة و الصنعة
(و من أخلاقهم رضي اللّه تعالى عنهم):
تقديمهم عمل الحرفة و الصنعة التي تكفهم عن سؤال الناس على سائر نوافلهم و
واجباتهم الموسعة، و قد سئل الحسن البصري رحمه اللّه تعالى عن رجل يحتاج إلى الكسب
فلو ذهب لصلاة الجماعة احتاج ذلك النهار إلى سؤال الناس، فقال: يتكسب و يصلي
منفردا، و في الحديث [أن اللّه عز و جل علم آدم عليه الصلاة و السلام ألف حرفة و
قال: قل لولدك يتعلمون هذه الحرف و يأكلون بها و لا يأكلون بدينهم] و في الحديث
أيضا [إن روح القدس نفث في روعي إن نفسا لن تموت حتى تستوفي رزقها و إن أبطأ عنها
فاتقوا اللّه و أجملوا في الطلب و لا يحملنكم استبطاء الرزق على أن تطلبوه بمعصية
اللّه فإن اللّه لا ينال ما عنده بمعصية].
و كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه يقول: لا يقعد
أحدكم في المسجد و يترك طلب الرزق و يقول اللهم ارزقني فإن ذلك خلاف السنة، و قد علمتم
أن السماء لا تمطر ذهبا و لا فضة، و قد سئل الإمام أحمد بن حنبل رضي اللّه عنه عن
رجل جلس في بيته أو في المسجد و قال: لا أعمل شيئا حتى يعطيني اللّه تعالى رزقي،
فقال: هذا رجل جهل العلم أما سمع قول النبي صلى اللّه عليه و سلم:
[جعل اللّه رزقي تحت ظل سيفي يعني الغنائم].
(قلت) و يشهد لذلك أيضا حديث الطبراني الذي في الطير و أنها تغدو
خماصا و تروح بطانا فقد ذكر فيه أنها تغدو في طلب الرزق، و قد كان الصحابة رضي
اللّه عنهم يتجرون برا و بحرا و القدوة بهم أولى، و قد قال تعالى: [رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَ لا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ
اللَّهِ][1] فسماهم رجالا لما قاموا في الأسباب و لم يشتغلوا بها عن ذكر اللّه و
هذا هو الكمال، و قد روى أن عيسى عليه الصلاة و السلام مر يوما برجل جالس فقال له:
ما تفعل ههنا؟، فقال: أتعبد يا روح اللّه، قال: فمن يعولك؟ قال: أخي، فقال له:
أخوك أعبد منك، و في الحديث أنهم ذكروا للنبي صلى اللّه عليه و سلم رجلا و صاروا
يثنون عليه خيرا و يذكرون من عبادته سفرا فقال صلى اللّه عليه و سلم: [كلكم خير
منه] و كان حذيفة رضي اللّه عنه يقول: خيركم من عمل لآخرته و دنياه.